الثابت دون دراسة وبحث أن المسيئين أفرادا أو سوى ذلك، ومن يدعمهم، رسميا ودون المستويات الرسمية، يستهينون بالمسلمين والعالم الإسلامي، يستهينون بالجماهير الغاضبة، لأنها تعبر عن غضبها فحسب، وبالنخب الداعية للتحرك، لأنها تضع عناوين عريضة ولا تبين السبيل المجدية ولا الوسائل العملية للتحرك، وبالحكومات لأنها منقسمة على نفسها في كل قضية لا في قضية الإساءات وحدها.
يستهينون بالمسلمين والعالم الإسلامي فيفعلون ما يفعلون، ويكررون فعلتهم، وهي موجهة في نهاية المطاف إلى أهل بلادهم أكثر منها للمسلمين، لتهيئة أجواء مناسبة لاستمرار سياسات الهيمنة والعدوان والاستغلال، دون اعتراضات داخلية لديهم، ولمحاولة الحد من ظاهرة منتشرة داخل مجتمعاتهم إقبالا على تفهم الإسلام وحقائقه بل واعتناقا له في كثير من الأحيان.
وهم يدركون أننا إذ نسيء إلى أنفسنا إساءة أكبر، نساعدهم على تحقيق أغراضهم هذه:
1 - عندما نعجز عن استيعاب ما يصنعون، وعن الإجابة عليه إجابة فاعلة مؤثرة.
2 - وعندما يتخذ الجواب صيغة ردود فعل تضمحل ويضمحل مفعولها قبل إقدامهم على خطوة تالية.
3 - وعندما نطلق العنان لغضب جماهيري دون تنظيم، فتتخلله أعمال مسيئة لنا ولصورة الإسلام نفسه والمسلمين كعمليات ارتكاب عنف ضد بعض من يعيش في بلادنا أو يمثل بلادهم لدينا.
4 - وعندما نطلق المقاطعة من عقالها دون تنسيق ولا تنظيم فلا تبلغ حدا شاملا ولا مؤثرا وإن بلغت ذلك بتأثير الغضب، تتلاشى ثانية بتأثير مرور الزمن وتراجع فورة الغضب.
5 - وعندما تتخذ مواقفنا وتحليلاتنا وبياناتنا وإجراءاتنا صورة طبق الأصل من انقساماتنا وفرقتنا وتعدد منطلقاتنا وشذوذ بعضنا، فلا نبلغ موقفا مشتركا، ناهيك أن يكون موحدا، ولا نؤثر في بعضنا بعضنا، ناهيك عن التأثير في سوانا.
بكل صراحة ووضوح: هم يسيئون إلينا وإلى إسلامنا، ونحن نسيء إلى أنفسنا وإسلامنا.
ومن لم يتعلم من "درس الإساءة الكاريكاتيرية الأول" -وقد سبقه الكثير ولكن نحن من اعتبرناه الأول- لم يتعلم من إساءات أصغر وأكبر سبقته ولحقته، ومن لم يتعلم من "درس الإساءة البابوية الثاني" لا ينبغي استغراب أن يجد نفسه الآن أمام درس الإساءة الكاريكاتيرية الثالث"، وسوف يأتي المزيد، إلا إذا تعلمنا من إساءات سوانا إلينا، كيف نتخلص نحن من إساءاتنا إلى أنفسنا.
موات النخب
كثيرا ما اتخذت النخب مما أسموه "موات الشعوب" عذرا لبقاء نداءاتها دون فعالية جماهيرية، وقد أثبت التحرك الجماهيري الكبير عند الإساءة الكاريكاتيرية الأولى -كما أثبت التحرك الجماهيري إبان انتفاضة الأقصى وإبان احتلال العراق- أن حجة موات الشعوب غير صحيحة، أو أثبت على الأقل أننا لا نستوعب العوامل التي تجعل نخبنا تقول بتلك الحجة، دون أن تنظر في "المرآة" مرة واحدة.
الجماهير تحتاج إلى قيادات حكيمة مرشدة تتحرك على أرضية مشتركة تصنعها هي لنفسها كي تتحرك الجماهير عليها، معها ومن ورائها. فهل سعت تلك النخب من أجل أرضية مشتركة ومن أجل اكتساب المواصفات الضرورية لحمل مسؤولية القيادة المشتركة والإرشاد القويم؟
لندع الحكومات جانبا، فهي في قضية الإساءات وسواها، إما عاجزة تحت الضغوط الخارجية عن استرجاع سيادتها على نفسها وصناعة القرارات المشتركة فيما بينها، أو سوى ذلك .. ولكن ماذا عن النخب التي تعتبر نفسها مستقلة عن الحكومات؟
يبدو أنها تعتبر نفسها "مستقلة" -أو منفصلة- عن الجماهير أيضا، فإذا شكت من عدم سير الجماهير معها ووراءها، فواقع الحال أنها تقر بافتقادها المواصفات القيادية التي تدفع الجماهير -التي أثبتت عدم مواتها- إلى التجاوب معها، والتحرك معها ووراءها، ووضع طاقاتها الكبرى تحت التصرف.
هل وضعت نخبنا أفكارا وتصورات ومخططات وأهدافا بعيدة وأخرى مرحلية، لتستوعب طاقات الجماهير، ولتحسن توظيفها، إذا ما وضعت طاقاتها تحت التصرف؟
¥