تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي هذا التكريم لرجل سكنت لغة القرآن قلبه؛ فشغف بها وجعلها منتزها لفكره ووجدانه، في تكريم الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال، اخترت أن أتعرض لعناية المدرسة الألمانية بالقرآن لسببين: أولهما: أن البحوث الألمانية تحتل دور القيادة في صيرورة الدراسات الإسلامية في الغرب؛ إذ حققت جهودهم تأثيراً واسعاً في جل البحوث اللاحقة في الدراسات الاستشراقية، وعلى امتداد تاريخ الاستشراق المعاصر. وثانيهما لأن تلك البحوث قد أصبحت مرجعاً وعمدة في كل ما يتعلق بشؤون القرآن؛ توثيقاً وتأريخاً ومعرفة بعلومه. (وبلغني أن الأستاذ أحمد الشرقاوي كان قد ألقى محاضرة سنة 1967 بعنوان: جهود المستشرقين في خدمة التراث الإسلامي).

وموضوع كلمتي يتعلق بالمستشرق تيودور نولدكه ( Theodor Noldeke 1836 – 1931) ؛ شيخ المدرسة الألمانية التي عُنيت بالقرآن، وما كان لتلامذته من جهود في مجالات العناية بالقرآن الكريم.

أولا: الاستشراق الألماني وما تميز به عن غيره

بدأت عناية المستشرقين الألمان بحضارة الإسلام منذ أن اتصلت ألمانيا ببلاد الإسلام إثر الحملة الصليبية الثانية في عام 1147م، وخاصة بعد أن بدأ رجال الدين بترجمة الكتب العربية. فعندما تمت أول ترجمة للقرآن بين عامي 1141 – 1143م إلى اللغة اللاتينية، نجد أن هِرمان الدلماشي (الألماني H.Alemanus ) قد أسهم في هذه الترجمة إلى جانب كل من (روبرت الرتيني) وراهب إسباني عربي، وإن لم تُنشر هذه الترجمة لمعاني القرآن إلا بعد أربعة قرون (2).

وقبل القرن الثاني عشر تبادل (أتو الكبير) إمبراطور ألمانيا مع عبد الرحمن الناصر بالأندلس السفراء، وكان ذلك عام 956م. ويبدو أن الغاية من هذه السفارة هي معرفة اللغة العربية لعلها تساعد على ترجمة التوراة؛ لاشتراك العربية والعبرية في السامية (3).

وبدأت محاولة تدريس العربية مع العالم الألماني يعقوب كريستمان (1554 – 1613)؛ الذي وضع فهرساً موجزاً لبعض المخطوطات العربية، ووضع كرَّاساً لتعليم كتابة الحروف العربية. وترجم أجزاء من الإنجيل إلى العربية للتمرن على القراءة. وقد أعد بنفسه الحروف العربية في قوالب من الخشب للمطبعة التي كان غوتنبورغ قد اكتشفها حديثاً. وفي عام 1585 عُين كريستمان أستاذاً في جامعة هايدلبرج Heidelherg ، واقترح إنشاء كرسي للدراسات العربية بها بغية نقل الفلسفة والطب من مصادرها العربية ... ومات كرستمان دون أن يتحقق مشروعه.

وكان المستشرقون الألمان في مطلع القرن الثامن عشر يقصدون هولندا لتعلم اللغات الشرقية ومن ضمنها العربية، وبعد عودتهم أخرجوا الدراسات من جامعاتهم من نطاق التوراة إلى ميدان الثقافة العامة. وفي مطلع القرن التاسع عشر انتقلوا صوب فرنسا حيث كان دي ساسي Silvestre de Sacy ( 1758 – 1838) أستاذ العربية والفارسية في مدرسة اللغات الشرقية يُدرس بباريس؛ فتتلمذ له الألمان، وتأثروا به، ومن أشهرهم: فلايشر (1801 – 1888) وإفالد (1803 – 1875)، فعُدا من مؤسسي الدراسات العربية في ألمانيا (4).

ويلاحظ أن الاستشراق الألماني وضع نفسه خلال القرن الثامن عشر في خدمة اللاهوت المسيحي.

وكان يوهان جاكوب رايسكه Johann Jakob Reiske ( 1716 – 1774 ) أبرز مستشرق ألماني أسس الدراسات العربية في ألمانيا، وهو أول مستشرق ألماني وقف حياته على دراسة العربية والحضارة الإسلامية، ورأى أن اللغة العربية يمكن أن تُدرس لذاتها، في فترة لم يكن أحدٌ يهتم بالدراسات العربية. وكان له اهتمام واسع بالشعر العربي. وقد اعتبر نفسه شهيد الأدب العربي. وجاء في ترجمة حياته متحدثا عن المخطوطات " ليس عندي أولاد، ولكن أولادي يتامى بدون أب؛ وأعني بهم المخطوطات " (5).

وهو يرى " أن ظهور (النبي) محمد وانتصار دينه هما من أحداث التاريخ التي لا يستطيع العقل الإنساني إدراك مداها، ويرى في ذلك برهاناً على تدبير قوة إلهية قديرة " (6).

ولعل المستشرق رايسكه أول من واجه علماء اللاهوت ودعا إلى دراسة العربية بصورة مستقلة، ووقف في وجه ما أشاعه المستشرق الهولاندي أدرينوس غولَندوس المتوفى في عام 1718 من كون اللغة العربية لهجة عبرية، وتابعه في رأيه هذا المستشرق الهولاندي ألبير شولتنس Albert Schlntens ( 1686 – 1750 ) .

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير