ولم يفقه المنافقون المتخلفون عن غزوة تبوك أن نار جهنم أشد حرا من حر الصيف الذي يتقونه برغبتهم بأنفسهم عن نفس رسول الله ? ولو كانوا يفقهون لتقوا نار جهنم بطاعة الله ورسوله.
ولم يفقه المنافقون أن الحسنتات والسيئات أي النعم والمصائب هي قضاء وقدر قد كتبه الله من قبل.
ولم يفقه الذين كفروا أن حرصهم على متاع الحياة الدنيا قد أوهنهم وصيّر عشرة منهم بواحد من المؤمنين الذين هم أحرص على متاع الآخرة.
قلت: إن الفقيه حسب التراث الإسلامي هو الفروعي الذي حفظ المتون الفقهية ويكاد يحيط بالألغاز والافتراضات الفقهية في العبادات والمعاملات.
ولم يقع في الكتاب المنزل ولا الحديث النبوي ذم المنافقين والكفار على جهلهم تلك المسائل الفقهية وألغازها وافتراضاتها الفلسفية أو الوهمية.
وإنما تضمن الكتاب المنزل في هذا السياق قوله:
• ? قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ? الأنعام 67
• ? وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ? الأنعام 98
• ? فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ? التوبة 122
ويعني أول الأنعام أن الله قد جعل من الشهب والصواعق آيات أي دلائل وقرائن على أن الله قادر على أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم، وجعل من الخسف والزلازل والبراكين آيات على أن الله قادر على أن يبعث عليهم عذابا من تحت أرجلهم، وجعل من سنن الصراعات والحروب آيات على أن الله قادر على أن يجعلهم شيعا اختلفوا في الحق وتفرقوا عنه يذيق المغلوب منهم بأس الغالب.
وصرّف الله ذلك للناس ليفقهوه ويفهموه ليعينهم على أن يهتدوا بالقرآن العجب إلى الرشد وإلى التي هي أقوم يوم يستقر النبأ العظيم ويصبح شهادة معلومة للناس كما في قوله ? لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ? الأنعام 68 ومن المثاني معه قوله ? ولتعلمن نبأه بعد حين ? خاتمة سورة ص، ولم ينقض بعد الرويد والحين منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.
ويعني ثاني الأنعام أن الفقهاء من الناس هم الذين سيفقهون من تفصيل الكتاب المنزل المستقر والمستودع في بني آدم.
ولقد كنت أحسب والله أعلم أن المستقر في بني آدم هو من استقرت فيه ولم تتجاوزه إلى ذرية من بعده سلالات آبائه وأمهاته أي هو العقيم الذي لا يلد.
وأن المستودع هو من جعله الله مستودعا لذرية أخرى سيخلقها الله منه أي الذي يلد.
وكذلك كل دابة في الأرض يعلم الله مستقرها ومستودها كما في حرف هود، فالله يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ... وهو المستودع والله أعلم، ويجعل من يشاء عقيما وهو المستقر والله أعلم، ولن يموت المستودع قبل أن يخرج الله منه ما استودع فيه من الذرية.
ويعني حرف التوبة تصنيف المؤمنين في آخر حياة النبي ? إلى فرقتين فرقة تخرج في السرايا والبعوث وهم الذين ينفرون، وفرقة تتفقه في الدين من النبي ? وهم الذين سينذرون قومهم بما سيكون بعد إذا رجعوا إليهم.
قلت: ولم يكن من معاني الفقه في الكتاب المنزل البحث عن حكم امرأة طلقها زوجها ثم تزوجت بعد طلاقها بسبع سنين بزوج آخر، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الزواج الثاني أنجبت طفلا كامل الخلق والوزن والشحم والحم والدم.
قال السادة الفقهاء على مذهب مختصر خليل بإلحاق الولد بالزوج الأول وبتحريم المرأة على الزوج الثاني.
قلت: ولقد تضمن الكتاب المنزل تفصيل كل شيء من الغيب الذي كلف الناس بالإيمان به وهو من الدين الذي ارتضى الله للناس وأتمه لهم وذلك موضوع كتابي "من بيان القرآن " في الجزء الثاني من حواري مع التراث الإسلامي.
وتضمن الكتاب المنزل والهدي النبوي تفصيل كل شيء من الدين الذي كلف الناس بتمثله والتعبد به.
وهكذا أمر الكتاب المنزل بالصلاة وبيّنها النبي ? بسلوكه وحديثه النبوي ومنه "صلوا كما رأيتموني أصلي " في صحيح ابن حبان وسنن البيهقي الكبرى والدارقطني.
وإنما يعني الاقتداء به واتباعه أن نجعل صلاتنا تبعا لصلاته لا نفرق بين شيء من شعائرها كالذي افترضه الفقهاء من وجوب تكبيرة الإحرام دون سائر تكبيراتها وكما جعلوها عضين بين الندب والوجوب.
¥