هذا هو التحديث المطلوب؛ انسجام بين متطلبات الحداثة (أو شروطها) وبين التدين، وهذه العبارة هي وجه آخر للقول: إن التحديث هو "إخضاع الدين لشروط الحداثة"، فشروط الحداثة ومتطلباتها هي المرجع الأساسي الذي يجب "قراءة النص الديني من خلاله"، ويجب لَيّ عنق هذا النص أو قطعه أحيانًا، من أجل "انسجام التدين مع متطلبات الحداثة".وهذا بالضبط هو التشرب بعجل الحضارة الغربية في قلب من يقرأ النص، بل يقرأ الدين كله، وجُل همه هو وضعه في قالب مسبق لمعطيات الحضارة الغربية.
يقول الشرفي: "ماذا لو كان التناقض حادًّا، وكان النص قطعي الدلالة؟ لا بأس في ذلك، سنستخدم تاريخية النص عندها ونقول: كان زمان! وتعددت الأساليب والهدف واحد".
يتحدث الدكتور الشرفي في لقاء آخر عن "التحديث من داخل المنظومة الدينية" دون أن يخبرنا كيف .. لكن مشاركته في هذه الحوارية نموذج لما يقصده: إدخال شروط الحداثة الغربية على المنظومة الدينية بطريقة لا تبدو فيها أنها مفروضة عليها من خارجها .. يقول الشرفي بصراحة: "لا قراءة للنص بريئة تمامًا"، وهو يقصد أن كل قراءة على مر العصور كانت تحمل ضمنًا جزءًا من قارئها وتوجهاته، ومعطيات عصره وظروفه التاريخية.
هذا صحيح ولا شك فيه، لكن هذا لا يساوي قط بين كل القراءات لا يجعلها جميعًا في سلة واحدة بدعوى أن لا قراءة بريئة، فهناك قراءة تتفاعل مع معطيات عصرها لتصل إلى المقاصد القرآنية، وتلتحم بها.
وهناك قراءة أخرى تعتبر المعطيات نفسها مرجعًا تحاول أن تخضع النص له مهما كان الثمن .. وهكذا فإن قوله: "لا قراءة بريئة للنص" ينسحب أيضا على قراءته أيضًا بفارق أنه يحدد بوضوح هدفه الانسجام مع معطيات الحداثة "الغربية".
وهكذا فإن مقدمته التي تتفق معها حول ضرورة وجود "قراءات جديدة" للنص تنتهي بقراءة "انسلاخية" من النص ومن مقاصده قراءة "إلغائية" للنص، بالكاد تسمى قراءة.
ما الذي سيبقى مما نعرفه من الفقه جراء هذا التحديث الذي يتحدث عنه الشرفي؟ سيسأل الشرفي نفس السؤال وسيجيب بنفسه:"جوابنا، من دون أدنى مواربة، هو: لا شيء! " .. هذا "اللاشيء" الناتج عن "تحديث" قراءة النص سيطبقه الدكتور الشرفي ليصل في قراءته الإلغائية إلى إلغاء "الشعائر والعبادات".
وهو مجال أشهد أن زملاءه كانوا يتجنبونه على الأقل، إن لم يكونوا يؤكدون دومًا أن لا مساس به، كانت قراءتهم الإلغائية قد ألغت الحجاب والمواريث والحدود ومفهوم السنة النبوية، لكنها وقفت عند العبادات وقالت، لأسباب مختلفة: لا مساس!
* تحديث العبادات:
لكن يبدو أن الشرفي يرى أن التحديث يجب ألا يقف عند حدّ معين، فهو يرى أن العبادات من "الثوابت الزائفة" و"المسلمات المغلوطة" وأن جعلها من الأركان وتسويتها بالشهادة أمر لا دليل عليه قرآنيًا (كما لو أن جعل الشهادة ركنًا قد تم تسميته قرآنيًا!) وهو يأخذ مثلا من بعض الآثار التي تتحدث عن وجود البسملة في الصلاة والأخرى التي لا تتحدث عن وجودها دليلا على المرونة التي تميزت بها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، والمرونة التي يقصدها ليست الاختيار من بين هذه الهيئات التي ذكرها، بل هي مرونة تتعدى ذلك بكثيرٍ وصولا إلى كيفية الصلاة وعدد ركعاتها، ذلك أن "توحيد الطقوس هو مما اقتضته سيرورة المأسسة التي خضع لها الدين الإسلامي حين انخرط في التاريخ"، وهو أمر صار تاريخًا وانقضى بحسب متطلبات التحديث والحداثة التي ينادي بها.
فلنشاهد كيف يتعامل مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" إنه يقول: "فهذا الحديث إن صح، وعلى فرض أنه ملزم للمسلمين في غير عصره وبيئته، لا يعني بالضرورة حصر أشكال الصلاة في شكل وحيد، وليس فيه تحريم لغير الطريقة التي صلى بها ولا إقصاء للمصلين بغيرها". أي أن هناك ثلاث خطط يتعامل بها مع نص الحديث:
أولا: التشكيك في صحة الحديث بشكل ضبابي (إن صح!)، وهو لا يخبرنا عن معايير للتصحيح أو التضعيف، والحديث صحيح بكل الأحوال (رواه البخاري).
ثانيًا: يقول: "على فرض أنه ملزم في غير عصره وبيئته" أي أن "تاريخية النص" جاهزة دومًا للإجهاز على النص.
¥