عن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوماً من المسجد، وهو متّكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له: أبو الجيرية، كان يُتّهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبدالله، اسمع مني شيئاً، أكلّمك به، وأحاجّك، وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتّبعني، قال: فإن جاء رجل آخر، فكلمنا فغلَبَنا؟ قال: نتّبعه، قال مالك رحمه الله تعالى:» ياعبد الله، بعث الله تعالى محمّداً ? بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين، قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غَرَضاً للخصومات أكثر التنقل «.
عن هشام - يعني ابن حسان - قال: جاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن:» أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه «.
عن سلام بن أبي مطيع: أنّ رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني: يا أبا بكر؟ أسألُك عن كلمة، قال: فوَلّى أيوب، وجعل يشير بإصبعه: ولا نصف كلمة، ولا نصف كلمة «.
هذا هو موقف هؤلاء الأئمة من الحوار مع المخالف فهل كان هذا نابعاً من ضعف الحجة؟!
يقول الدكتور: (أم لأننا أصبحنا نشك في كل دعوة حق، خشيةَ أن تكون حقًّا أُرِيدَ به باطل؟)
أقول: ومن الذي قرّر أن الدعوة للحوار دعوة حق أصلاً حتى نقول إنها حق يُراد به باطل ..
بل نحن نقول إن الحوار لفظ عام يُراد به أمور شتى منها ما هو حق ومنها ما هو باطل ..
وقد ذكر الشيخ الفوزان وفقه الله طرفاً من ذلك:
وأنا على يقين من أن المفردات الباطلة داخلة فيه .. لكن المفردات الشرعية لا نرى لها أثراً ..
وهذا سبب خوفنا على أمتنا وديننا أن تمر بما مرت به الأمم قبلنا مما حذرنا منه الله ورسوله.
يقول الدكتور: (ولذلك تجد عبارات سوء الظن ظاهرةً في بيان أسباب رفضهم للحوار, من أن الدعاة إلى الحوار سيتخذونه سُلَّما للتنازل عن حقائق الدين، وإلى تمييع الولاء والبراء .. وغير ذلك من التهم!
وهذا التعميم الجائر منهم (في الشكّ)، لا يقع إلا من مسلوبِ الإرادة، أسيرٍ للغلو في فكرة المؤامرة)
أقول: كل أمر تفوح منه أسباب سوء الظن فسوء الظن به جدير .. بغض النظر عن بواطن الأمور ..
ونحن لا نقول ن الدعاة سيتخذونه سلماً للتنازل عن حقائق الدين وتمييع الولاء والبراء ..
فهذا لا نقوله، بل هذا حدث فعلاً .. وأول أماراته هو مقالك هذا يا دكتور .. فقد تم التنازل جهاراً نهاراً عن أصل أصيل من منهج السلف ومن صلب عقائدهم التي سطروها في كتبهم وأصولهم، ألا وهو الموقف من المخالف، وهو الموقف الذي لم يتغير منذ قرون ولم يعرف ما يُسمى الآن التعايش والحوار وقبول الآخر وإقرار حرية الفكر ونحو ذلك ..
وقولك: (لا يقع إلا من مسلوبِ الإرادة، أسيرٍ للغلو في فكرة المؤامرة)
فهذا في الحقيقة غير صحيح.والمؤامرة ليست نظرية ولا فكرة بل هي حقيقة قرآنية سطرها الله تعالى في كتابه ..
وليس من الغلو فيها التزام مدلولاتها ومن أهمها الحذر من الكفار ومن أهل البدع وما يصدر منهم من دعوات لا يريدون بها إلا مصالحهم والكيد للسنة وأهلها ..
قال الدكتور: (ولذلك فلا تكاد تجد عند هذا الصنف من الناس إلا النواح والعويل على الحمى المستباح والحق المغصوب, أما إنتاج الإصلاح وبرامج التصحيح فهم عنها بمعزل؛ إلا من الدعوة إلى منهجهم نفسه, لإنتاج نُسَخٍ أخرى لأمثالهم: من مسلوبي الإرادة، وأُسَراء التوجّس الْمُقَيَّدين بسوء الظن!)
أقول: النواح والعويل ممن لا يستطيعون غيره خير من الرضوخ للواقع والتنازل عن المبادئ.
وبرامج التصحيح وإنتاج الإصلاح إن لم تكن على منهج السلف ونور الوحي فلا مرحباً بها.
المعارضون لك يا دكتور ليسوا مسلوبي الإرادة .. بل هم من خيرة علماء الأمة أصحاب الإراة القوية الذين لا تغرهم الأضواء ولا الشعارات .. وأصحاب الثبات على المبادئ هم أصحاب الإرادة القوية أما تجار المؤتمرات وبائعوا الذّمم ومؤجّروا العقول فهم مسلوبوا الإرادة حقاً ..
¥