تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المرأة عن وجهها النقاب، ولم يطلب أكثر من ذلك، لأن النقاب بنظره يسبب للمرأة حرجاً وعائقاً في حياتها العملية ().

ولكن هذا لا يعني أننا ننفي ما في مؤلفيه الأخيرين " تحرير المرأة " و " المرأة الجديدة " من نزعة بارزة إلى التغرب والتأورب ()، والاختلاط بين الجنسين، ولكن الرجل ظل يؤكد على مرجعيته الإسلامية والقرآنية، وظل يؤكد على أن الحجاب الذي يطالب برفعه هو غطاء الوجه فقط ()، وأن الاختلاط الذي يريده هو في حدود ما تسمح به الشريعة ()، وذلك انطلاقاً من مبدأ يؤمن به وهو أن التربية ممارسة عملية حياتية قبل أن تكون ممارسة علمية كتبية (). وأن الدين أساس التربية (). ولكن الطابور العلماني في بلادنا استطاع أن يحوّل قاسم أمين إلى رمز لتحلل المرأة من الشريعة عبر تاريخ طويل من التزوير والتحوير، وبظني لو كان الرجل حيّاً لتبرأ من كل هذه الإلصاقات العلمانية.

وتتخذ الهجمة على الحجاب طرائق مختلفة، فمرة بطريقة ساذجة كما تحدث عبد العزيز الثعالبي 1874 – 1944م حين قصر الآيات التي تتحدث عن الحجاب على نساء النبي ? ()، واعتبر ستر الوجه عادة فارسية تسربت إلى المجتمع الإسلامي () وهو في هذا القول يردد المقولات الشائعة عند الغربيين عن الحجاب الإسلامي (). وأن نزع الحجاب ما هو إلا إعادة للمجتمع إلى المجتمع المتحضر الذي كان في عهد النبي ? والذي هو مثيل للمجتمع الأوربي المعاصر (). ومرة ثانيةً بطريقة فاشية استفزازية تتجاوز حدود اللياقة والأدب كما تحدث الطاهر الحداد عندما يقول: "" ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعاً للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين، وما أقبح ما نوحي به إلى قلب الفتاة وضميرها إذ نعلن اتهامها وعدم الثقة إلا في الحواجز المادية التي نقيمها عليها "" ().

ويضيف: "" كلما فكرت في أمر الحجاب لا أرى فيه إلا أنه أنانيتنا المحجبة بالشعور الديني كحصن نعتز به على المخالفين "" ().

وهكذا حتى نبدو كمتحضرين يجب علينا أن نُعرض عن كتاب ربنا وآياته البينات، ونصوصه المحكمات، ونقوم بتحريف المعاني، وقلب الحقائق، فنجعل من الحجاب تخلفاً وأنانية، وتشكيكاً وعنصرية، ونتجاهل الأوامر الربانية، والوصايا النبوية، كل ذلك من أجل أن يرضى عنا الغرب، ونحظى لديه بالقبول، فقد أصبح المجتمع الأوربي المعاصر هو المثل الأعلى الذي علينا أن نترسم خطاه!.

وقد أدرك الغرب أن حجاب المرأة المسلمة – المسلمة فقط - رمز للتحدي يشكل خطراً على إيديولوجيته العلمانية ولذلك قرر منع الحجاب. فشعاراته البراقة، وشعارات الثورة العلمانية كلها ركلت بالأقدام في سبيل منع الحجاب وبدا للناس جميعاً حقيقة طالما خفيت عليهم وهي أن شعارات الحرية والديمقراطية إنما هي مجرد أوهام وأحلام خدعوا بها.

سألت أستاذاً علمانياً ينسب نفسه إلى الفلسفة لماذا منعت الدولةُ التي ترفع لواء العلمانية المرأةَ المسلمة من حجابها؟! فقال لي: - ولعله يسترضيني – هذا في الحقيقة شرخ كبير في العلمانية كان عليها أن لا تقع فيه، ولكن العلمانية تصحح أخطاءها ومساراتها دائماً. فقلت: إن هذا الشرخ ليس في المظهر، ولا في كونه مجرد نزوة عابرة، أو خطأ في الممارسة وإنما هو نتاج للخلل في الأساس العلماني، وهو شرخ في القاعدة الفلسفية التي تقف عليها ظاهرة العلمانية.

لقد صدع العلمانيون رؤوسنا في التنكيل بالأنظمة المستبدة، والتغني بالحرية والمساواة والديمقراطية ونحن معهم في ذلك. كما تحدثوا عن الفاروق عمر على أنه " المستبد العادل " أي أنه الخليفة الذي يمتلك كل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وهو بنظرهم اتجاه لم يعد صالحاً لهذا العصر، والبديل له بنظرهم دولة المؤسسات العلمانية التي لا سلطان لأحد عليها إلا للعدالة.

والسؤال الآن: إذن لماذا ضاق الغرب ذرعاً بحجاب المرأة المسلمة فكشر عن أنيابه وأصدر قراراً بمنعه؟ كيف استطاع أن يفعل ذلك ما دامت المؤسسات العلمانية القانونية هي التي تحكم ولا سلطان لأحد عليها؟

أليس هذا القرار من أحط ألوان الاستبداد، ولا يمكن تصنيفه إلا في مخلفات القرون الوسطى المظلمة؟!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير