تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم تنج إذن العلمانية من الاستبداد، والاستبداد الظالم، فإذا كان لا مناص من الاستبداد إذن فأن يكون استبداداً عادلاً خيرٌ لنا، فعادت الحاجة ماسة إلى مثل الفاروق عمر رضي الله عنه.

الإشكالية هنا: أن الإنسان هو الذي يحكم، وهو الذي يسيّر المؤسسات وهو الذي يسن القوانين، وهو الذي يفسرها ويؤولها وهو الذي ينفذها، فما أسهل عليه أن يوظف ذلك كله لخدمة مصالحه ومنافعه، وخصوصاً في هذا العصر الذي يلعب الإعلام والدعاية دوراً بارزاً في غسل الأدمغة، وترويج الأفكار، وتغليب بعضها على بعض بحسب الحال والظرف والمصلحة.

ومن هنا فالشعارات العلمانية الرائجة اليوم مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هي شعارات ظرفية تخدم الإنسان الأقوى – الإنسان الأبيض – وتوظف الآخرين لخدمته وفي الوقت الذي تصبح خطراً عليه تداس بالأقدام وتُركل بالنعال، وظاهرة الحجاب مثال على ذلك.

ولذا فالقول إن العلمانية وقعت في خطأ – مجرد خطأ – حين منعت المرأة المسلمة من حجابها هو محاولة للخروج من عنق الزجاجة، لأن الممارسة العلمانية محكومة بشيئين هما:

- الإنسان وطغيانه الممكن، بل الغالب.

- النفعية البراجماتية، والأثرة الظاهرة في السلوك الإنساني أفراداً ودولاً وجماعات. وفي هذه الحالة فالقضية ليست مجرد خطأ وإنما انهيار في البنيان العلماني من أساسه.

العلمانية لها قيمها المعلنة، والأديان كذلك، وإذا كانت الأديان تعد من يخرج عن عقائدها كافراً، فإن العلمانية كذلك تحكم عليه بالنفي والإقصاء أو التخلف والرجعية أو الإرهاب، فالعلمانية في هذه الحالة تتحول إلى دين علماني له قيمه وأصوله ورجاله بل وطقوسه أيضاً. والقول بأن العلمانية لا تنظر إلى نفسها على أنها مقدس يحرم المساس به ولذلك فهي تجدد نفسها وتصحح أخطاءها دائماً عبر صيرورة مستمرة كلام جميل ومعسول، ولكن الدين كذلك يقول، فالإسلام يجدد نفسه دائماً " إن الله يبعث لأمتي على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ".

فالعلمانية إذن دين متجدد، والإسلام أيضاً كذلك والفارق هو أن الإسلام له ثوابته التي لا تُمس بينما العلمانية تدعي أنها متلونة ولا ثوابت لها إلا الواقع بتغيراته وأنماطه المختلفة.

ولكن الإسلام لا يرغم الآخرين على أن يمارسوا شعائره فهم أحرار في دار الإسلام في ممارسة شعائرهم والإسلام يحميهم، بينما العلمانية في دارها ترغم المسلمة على ممارسة الطقوس العلمانية في السفور والانحلال.

المطلب الثاني - الحجاب والتحدي الحضاري:

مرة أخرى: لماذا تضطهد العلمانية المرأة المسلمة المحجبة؟

إن الغرب لا يرى في الحجاب الإسلامي مجرد قطعة قماش تستر شعر المرأة أو رأسها أو وجهها وإنما يرى في الحجاب اختزالاً للحضارة الإسلامية تغزوه في عقر داره.

إن الحجاب يعني في المنظور الغربي أن الإسلام كله بقرآنه ومحمده وكعبته يتجسد في قطعة القماش هذه، وفي هذه المرأة المحجبة التي تخطر في شوارع باريس أو لندن. وإن هذه الصورة تمثل بالنسبة له أخطر ألوان التحدي، إنها تذكره بطارق بن زياد وموسى بن نصير وعبد الرحمن الغافقي على تخوم باريس. كما يرى الغرب في المرأة المحجبة وهي تتبختر في شوارع باريس أو غيرها كأنها ترفع راية الإسلام وتدوس قيم الغرب، وتتحدى شعاراته البراقة، وتهزأ بحضارته المبهرجة، وتترفع عن مدنيته الزائفة، إنها تتشبث بأصالتها في وسط المعمعة، وتلتف حول دينها وعفتها وشرفها في وسط تيار جارف من الإغراء واللذة. إن منظرها مثير جداً فهو يشبه منظر الجندي المستميت في وسط المعركة حين يرفع اللواء والرماح تنوشه من كل مكان فيظل ممسكاً به حتى تتقاسمه شفرات السيوف وأسنة الرماح. ....

إن الغرب لا يرى في المرأة المحجبة مرأة بل يرى الإسلام يتحداه في عقر داره، وقد حاول جاهداً أن يصمت لسنوات محافظاً على قيمه في الحرية، ولكن ضغط الحجاب ودلالاته التاريخية والحضارية، وإيحاءاته الاستفزازية لمظاهر التعري، جعل صبره ينفد فانتهك القيمة الأساسية التي يقف عليها وهي قيمة الحرية وذلك ليوقف هذا المد الإسلامي الخطير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير