* (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا) (الأحزاب: 53).
* (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الأحزاب: 59).
وبالعودة إلى الآيات الكريمة التي وردت في شأن الحجاب، نرى أنها جميعا قد جاءت في سياق غض البصر وحفظ الفرج، ويدل على ذلك ما تلاها من آيات تُفصّل آداب الاستئذان قبل الدخول، والحث على الزواج والإعفاف.
وعليه، فإن العلة الأولى للحجاب أو الخمار، هي إحصان المرأة وحفظ كرامتها بتغطية ما يثير شهوة الرجال من زينتها، وذلك بستر سائر بدنها خلا الوجه والكفين، مع التأكيد على أن العفة تُناط أولا بالتربية وتزكية النفوس لكلا الجنسين، كما قال تعالى: ? ولباس التقوى ذلك خير ? ()، فيما تأخذ تغطية الزينة حكم الإجراء الاحترازي لدرء الفتنة، والتي لا تُقصر على ضعاف النفوس فحسب، بل على المجتمع بأسره، إذ لا يخفى على أحد أن الغريزة الجنسية يستوي فيها العقلاء مع العامة، والتاريخ حافل بقصص الخيانة الزوجية على جميع المستويات.
الغاية إذن هي مساواة المرأة بالرجل لا تمييزها عنه، فلمّا اختصت الزينة والفتنة بأحدهما دون الآخر، كان لا بد من مواءمة الأحكام للفروق القائمة بينهما، ليلتقي كل منهما في إطار أعمالهما اليومية بما يضمن التقاء إنسان لإنسان، دون أن يشوب هذه العلاقة ما يهبط بها إلى دركات الشهوانية المقيتة ().
لأن المرأة حين تظهر في لقاء علمي أمام الرجال بمفاتنها الأنثوية، يتغلب فيها الجانب الأنثوي الغريزي على الجانب العلمي والإنساني، لأن صوت الغريزة أقوى من صوت العقل، ولذلك يكون حديثها إليهم في واد، ومشاعرهم في واد آخر، لأن الرجال في هذه الحالة يتعاملون معها على أنها كتلة من الأنوثة والمتعة ولا يلتفتون إلى ما تحمله لهم من أفكار علمية.
ويروي لنا أستاذنا الدكتور البوطي حادثة فتاة ألمانية كانت مشاركة في أحد الملتقيات الفكرية في الجزائر، فعندما دُعيت إلى إلقاء كلمتها في ميقاتها المحدد، وكانت كأي امرأة أخرى متبرجة بادية المفاتن، وكانت تضيف إلى ذلك كله كثيراً من الحركات المغرية، ونظرتُ إلى وجوه الحاضرين أتفحصها، وهي مسترسلة في حديثها الفكري المهم، فلا والله ما رأيت الأعين إلا طافحة بمشاعر الغريزة وأخيلة المتعة، وما عثرت في الوجوه على أي أثر لتفاعلٍ ذهني أو تجاوبٍ علمي، وكان الصدى الوحيد لحديثها الذي ألقتْه أن ترك بعضهم بطاقة في غرفتها من الفندق يعرّفها فيها بنفسه، ويدعوها إلى سهرة كوكتيل!!. فها هناك امتهان للمرأة أعظم من هذا؟
ويضيف أستاذنا الدكتور البوطي حفظه الله: كانت إحدى الشاعرات المعروفات في محيطنا العربي تلقي قصيدة في أمسية شعرية جامعة، وكانت هي الأخرى بادية الزينة، وتُميل شعرَها الطويل المسترسل أثناء الإلقاء إلى طرف من وجهها، ثم ما تلبث أن ترده عنها في حركة مثيرة!، ولما انتهت من إلقاء قصيدتها وعجت القاعة بالتصفيق، سأل أحد الحاضرين صاحبه: كيف رأيت شِعرها؟ فقال له: إن لها شَعراً يأخذ بالألباب!! ().
والآن: هل في الناس من لا يقرأ في هذا الكلام أسوأ عبارات الامتهان الجارحة لكرامة المرأة؟ كأن الرجل يقول للمرأة في هذه الحالة: مهما حاولتِ أن تبرزي مفكرة عالمة باحثة أديبة فما أنت إلا دمية لعبث الرجال ولهوهم.
¥