تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعودةً إلى ما قاله النقاش عن "أولاد حارتنا" وتخطئته لأصحاب "القراءة الدينية" للرواية كما يسميها نقول إن معنى كلامه فى هذا الصدد هو أن الدين والفن عالمان منفصلان لا يلتقيان، وإن أنت حاولت أيها المسلم أن تحكّم إسلامك فى أى عمل أدبى فأنت جاهل لا تفقه شيئا. لم يقل النقاش هذا باللفظ، لكنه هو النتيجة المنطقية لكلامه ولفصله الدين عن الفن والأدب وإلحاحه على أن الدين لا ينبغى أن يكون له مدخل أى مدخل فى عملية التفسير والتقويم لأى نص أدبى، وكأن الدين عالم ضيق منغلق على نفسه. وهذا إن جاز فى أديان أخرى فإنه لا يجوز البتة فى الإسلام، إذ الإسلام هو قانون المسلمين الذى ينظم كل شأن من شؤون حياتهم، ومنها الأدب والفن، لأن الأدب والفن نشاطان من الأنشطة البشرية يلزمهما أن يكون لهما قواعد وقوانين اجتماعية وأخلاقية، اللهم إلا إذا كان على رأسهما ريشة تعفيهما من ذلك، وهو ما لا وجود له، وعلى من يكذّبنى أن يرينى هذه الريشة، ويشرح لى من أين أتت، ولأى شىء رُكِّبَتْ على رأسهما. نعم، الإسلام هو القانون الذى ينظم للمسلمين حياتهم فى كل مناحيها، بالضبط مثلما أن لكل شعب قوانينه التى يجب على كل فرد من أفراده طاعتها، وإلا عرض نفسه لطائلة الحساب. وعلى ذلك فلا يُعْقَل أن يَنْهَى الإسلام عن الزنا واللواط مثلا، ثم يأتى كاتب يزيّن فى رواية من رواياته الزنا واللواط، فإذا تعرض له ناقد قائلا إن هذا لا يصح، قيل له: هذه قراءة دينية لا أدبية، ومن ثم لا تصلح ولا قيمة لها، وخير لك أن تبحث لك عن قط تغمِّضه أو أى شىء آخر تتلهى به بعيدا عن ميدان النقد. وكأن الإسلام قد جاء ليحنَّط فى العُلَب أو ليوضع فى الخزائن بعيدا عن الأيدى والعيون. شىء للبركة مثلا! ويا ليته كسائر الأشياء التى يُتَبَرَّك بها فيوضع تحت الأنظار كى تستطيع العيون النظر إليه، وقريبا من الأيدى حتى تستطيع الأصابع لمسه، فيحصل لأصحابها البركة عن طريق النظر واللمس، بل هو شىء لا يصح لمسه ولا النظر له. كيف؟ هذا ما لا أدريه، ولا أدرى كيف يدريه سَدَنة النقد الجُدُد الذين يريدون تحويل عملية النقد إلى كهانة ككهانة الوثنيين، فى الوقت الذى لا يتورعون هم فيه عن الفتوى فى الدين بكل جرأة وبجاحة رغم ما تتطلبه فتاوى الدين من تبحر فى العلم وحساسية فى التناول ينقصان أولئك السدنة تمام النقصان. إلا أن هؤلاء السدنة الجدد لا يبالون بشىء من هذا، مع جرأتهم فى ذات الوقت على نهى كل من لا يرافئهم على آرائهم عن مقاربة القراءة لأى عمل أدبى بحجة أن شرح الأعمال الأدبية وتقويمها أمر دونه خرط القتاد، بل دونه القنابل والمدافع وبَقْر البطون وسَمْل العيون وتطيير الرقاب وتدمير البيوت والتغييب فى بطون السجون والتعليق على أعواد المشانق!

ونحن نقول للأستاذ النقاش، وإن كان انتقل إلى ذمة الله، إلا أنه حاضر معنا بكتاباته وآرائه ومواقفه، وبخاصة فى كتابه هذا الذى يدور عليه حديثنا الآن: إنك قد استفتيت بشأن "أولاد حارتنا" الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أحمد كمال أبو المجد وطرت بما قالاه حتى لامست النجوم التى نراها فوق رؤوسنا، بل حتى تجاوزتها إلى نجوم المجرّة التى فوقها مما لا نراه الآن، وقد نراه فى مقبل الأيام إن كتب الله لنا عمرا طويلا ندرك به عصر المناظير الفلكية العملاقة التى سوف يتم اختراعها فى تلك الأثناء لترينا نجوم المجرات الأخرى، مع أنهما ليسا ناقدين بالمعنى الذى تريد، فكيف كان منك ذلك؟ إنهما أقرب إلى أن يكونا عَالِمَىْ دينٍ، وليسا ناقدين أدبيين. فلماذا قَبِلْتَ منهما ما قالاه عن الرواية المحفوظية وأثنيت عليه وطنطنت به، ورفضت أن يكون لأمثالهما ممن ليسوا بنقاد، أى ممن لم يدرسوا النقد مثلى ومثلك فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب أو أى قسم آخر يناظره، رأى يَرَوْنَه فى تلك الرواية؟ وهل كل النقاد الذين يملأون الساحة النقدية هذه الأيام وقبل هذه الأيام بزمن طويل هم من المتخصصين فى النقد الأدبى؟ بطبيعة الحال لا، فلم إذن تخص من تسميهم: "علماء دين" ممن لا يَحْسُن رأيهم فى رواية نجيب محفوظ بالحرمان، وكأننا فى محكمة من محاكم التفتيش؟ ألا يكفى أن يكون لدى الشخص اطلاع جيد على الأعمال الأدبية ومعرفة بالطريقة التى ينبغى التعامل معها من خلالها؟ وهل يفعل الدارسون فى أقسام اللغة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير