تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العربية والأدب العربى شيئا آخر غير هذا؟ صحيح أن الدراسة المنظمة قمينة أن تكون أفضل، إلا أن ثم كثيرا من النقاد استطاعوا تكوين شخصياتهم النقدية بالقراءة الحرة والعكوف على الكتب والدراسات التى من شأنها إعانتهم على أداء هذه المهمة. وهل كان سليمان البستانى مثلا أو إبراهيم اليازجى أو جبران خليل جبران أو أمين الريحانى أو روحى الخالدى أو شكيب أرسلان أو الرافعى أو العقاد أو الزيات أو محمد لطفى جمعة أو محمد عبد الغنى حسن أو مصطفى عبد اللطيف السحرتى أو جورج طرابيشى أو لطفى الخولى أو محمد دكروب أو محمود أمين العالم أو حتى نجيب محفوظ ذاته من خريجى أقسام اللغة العربية الذين درسوا النقد الأدبى دراسة منظمة، ودعنا من الفُسُول من أصحاب الدبلومات الضِّحَال الثقافة والذوق الذين لا يستطيع الواحد منهم أن يكتب أو يقرأ جملة واحدة سليمة، فضلا عن أن يفهم النص الذى أمامه فهما صحيحا، وهم الذين يتصدرون مجالس الأدب والنقد هذه الأيام ويمدد الواحد منهم رجليه فى وجوهنا وكأنه جالس على المصطبة الملاصقة لبيتهم فى القرية ثم يفتى فى كل شىء وفى أى شىء، وهو يجهل كل شىء جهلا فاحشا يبعث على القىء، بل هو أجهل من الجهل ذاته إن كان هناك جهل يتجاوز ما نعرفه من جهل، وكل بضاعته كَمْ مصطلحًا من مصطلحات الخردة النقدية الغربية يرددها دون وعى ودون ذوق ودون عقل متصورا أنه قد جاء بالذئب من ذيله؟ الجواب هو "كلا" بالثلث. فلماذا لا تنكر على أى من هؤلاء قيامهم بمهمة الناقد الأدبى وحديثهم عن رواية محفوظ التى نحن بسبيلها؟ أقول لك السبب؟ إنه رفضك أن يكون هناك رأى فى رواية "أولاد حارتنا" يخالف ما ترتئيه. هذا هو السر، ولا سر سواه!

ثم هل هناك، يا أستاذ نقاش، قراءة دينية فى مقابل القراءة الأدبية؟ الذى يعرفه العارفون هو أن هناك عددا من المناهج النقدية المختلفة كالمنهج اللغوى والبلاغى، والمنهج الأسلوبى، والمنهج البنيوى، والمنهج الأسطورى، والمنهج النفسى، والمنهج الاجتماعى ... وبعض هذه المناهج يركز على الجوانب الفنية، وبعضها يركز على المضمون. ولعل أقرب منهج يناسب روح الإسلام هو المنهج المتكامل، وهو المنهج الذى يعمل بكل وسعه على الاستفادة من جميع تلك المذاهب. ذلك أن الدين ليس مقصورا على الحلال والحرام وحَسْب، بل يشمل الذوق والفهم وقواعد اللياقة، وكذلك ما ينفع وما يضر، وما يؤدى بالمجتمع إلى الأمام وما يعرقله ويأخذه إلى الوراء، وما ينجز عملية التحضر أو يبذر العقبات فى سبيل الناس ويجلب التخلف على أم رؤوسهم، هادفا فى كل ذلك إلى تحقيق سعادة الفرد والجماعة فى ضوء ما يمكن إحرازه فى دنيانا هذه من السعادة. وفى القرآن دعوة ملحة إلى تملِّى جمال الكون فى الجماد والنبات والحيوان والإنسان، والسماء والأرض والبحر. وكان رسول الله يتذوق الأدب تذوقا راقيا، ويقول إن من البيان لسحرا وإن البراعة فى القول لقد تقلب الحق باطلا، والباطل حقا. ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم ينهَى المسلمين عن التهاجى والتفاخر بالأحساب والأموال وينبه أتباعه إلى أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن حصائد ألسنة الناس يمكن أن تكبّهم فى النار على وجوههم. وكان يجمع حوله الشعراء والخطباء ويقربهم ويكرمهم ويقدر إبداعهم ويشجعهم، ويستمع إلى الشعر والخُطَب ويُسَرّ بالجيد من ذلك ويدعو لصاحبه، وإذا وجد ما يُحْوِج إلى سؤال الشاعر مثلا عن مقصده سأله عن ذلك وأنصت جيدا لما يجيب به. وكان واسع الصدر يقدّر دور الكلمة فى الحياة، ويعرف لها ما تحدثه من أثر فى المجتمع. ذلك أن الأدب نشاط من الأنشطة الإنسانية التى لا يمكن أن تستغنى عنها حياة الناس، ولا يمكن من ثم أن يهمله دين محمد، الذى شرعه الله لتنظيم أنشطة البشر وتوجيهها بما يعود على أصحابها بأعظم درجة من النفع ويقيهم مختلف ألوان الأذى والمتاعب التى تنغص عليهم حياتهم. ولا ننس أن معجزته عليه الصلاة والسلام هى معجزة قولية، إذ القرآن هو برهانه الذى لا برهان فوقه بما فيه من بلاغة ليس لها نظير، وبما فيه من تشريعات ونبوءات وقيم ومبادئ سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية تفوق أية تشريعات ومبادئ بشرية قاصرة، فهو الكتاب الأول لدى العرب والمسلمين. وكان صلى الله عليه وسلم فوق ذلك خطيبا مفوَّها فى أعلى درجات الفصاحة، وكان هذا سببا من أسباب نجاح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير