تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبالنسبة إلى العلماء الذين كتبوا تقريرا عن رواية "أولاد حارتنا" عند نشرها مسلسلة فى "الأهرام" عام 1959م، وهم، حسبما قرأنا وسمعنا، الشيخ محمد الغزالى والدكتور أحمد الشرباصى والشيخ السيد سابق، فإن من المضحك رمى أمثالهم بأنهم لم يقرأوا رواية واحدة فى حياتهم ولا يستطيعون من ثَمَّ تذوق الأعمال الأدبية وتحليلها وتقويمها كما قال محفوظ وغيره فى حقهم. لقد كان الغزالى فى شبابه شاعرا، وكُتُبُه مصوغة بأسلوب بلغ مدى بعيدا فى الحلاوة والنداوة والنصاعة والبراعة ودفء البيان، وهو يذكرنى بأسلوب الدكاترة زكى مبارك فى حلاوته ونداوته ودفئه. أما الشرباصى فكان، رحمه الله، أستاذا جامعيا فى الأدب العربى، ورسالته التى حصل بها على درجة الدكتورية، وكانت عن أمير البيان شكيب أرسلان، هى من الدراسات الأساسية فى مجالها لا يستغنى عنها باحث. وهو من الكتاب الكبار، وفوق هذا كان خطيبًا مِصْقَعًا، يعرف ذلك كل من قُدِّرَ له أن يصلى وراءه يوم الجمعة كما كنا نفعل أحيانا عقب النكسة أيام كان يخطب فى مسجد الرفاعى بالقلعة. ويبقى الشيخ السيد سابق، الذى لمزه رجاء النقاش بما جبهه به جمال عبد الناصر من أنه "مفتى الدماء" حسبما يقول، والعهدة عليه، ولا أدرى مبلغ صحة هذه الرواية التى أوردها. وربما كان وراء تلك التهمة آلة الإعلام الجهنمية التى تمتلكها الدولة ولا يملك من تَصُبّ عليه تلك الآلةُ حُمَمَها وسيلةً لتفنيد ما تزعمه بشأنه، ربما. وأنا، وإن كنت قرأت بعض أعمال سابق، وعلى رأسها "فقه السنة"، الذى أفدت منه كثيرا بوصفه موسوعة فقهية تجمع بين الإيجاز والسلاسة وسعة الأفق، وألفيتُ أسلوبه فيما قرأت له أسلوبا مشرقا مبينا، فإنى لا أعرف عنه الكثير، ولكنى أعرف أن عبد الناصر هو "مريق الدماء"، دماء العمال والعلماء والمفكرين. فإذا صح أن السيد سابق هو "مفتى الدماء"، وليس هناك كما قلت دليل على ذلك، فعبد الناصر هو "مريق الدماء"، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، فهو مشتهر معروف لا يمكن أن يمارى فيه أحد. وما دام فى الأمر "دماء" فلا بد أن أذكر ما قرأتُه فى مقال بعنوان "الحظر باسم الله" منشور بعدد ديسمبر 2005م من مجلة "الهلال" لشخص لم أسمع به من قبل اسمه يحيى وجدى من أن الإخوان المسلمين ومشايخ الأزهر بعد فوز محفوظ بنوبل قد "أقسموا على المصاحف والسيوف ألا تكون الجائزة العالمية معبرا لنشر الرواية مهما كان الثمن" (ص160). ياه! المصاحف والسيوف حتة واحدة؟ لا لا، هذه الحكاية واسعة حبتين! أليس كذلك؟ ومع ذلك فيُشْكَر له أنه لم يقل إنه قد سجلها "بالصوت والصورة"!

إن كاتب هذه السطور من المعجبين بنجيب محفوظ الروائى الذى لا يدانيه بين العرب روائى آخر، وقلما يوجد مثيل له فى الآداب الأخرى. ولقد بلغ من حبى له أننى، رغم معرفتى بأن لغته لا تخلو من أخطاء نحوية وصرفية نَصَصْتُ على بعضها فى دراستى عن روايته: "رحلة ابن فطومة"، التى يجدها القارئ فى آخر فصل من كتابى: "فصول من النقد القصصى"، قد فكرتُ يوما، إكراما لخاطره، فى شىء لا أظنه خطر من قبل على بال أحد. ألا وهو التفكير فى صياغةِ فعلِ أمرٍ مبنىٍّ للمجهول، وهو ما لا وجود له فى العربية، ولم يفكر أحد فيه مجرد تفكير. والسبب فى هذا هو أننى وجدته ذات مرة قد استعمل فعل أمر مبنيا للمفعول، فقلت فى نفسى ضاحكا فى البداية: ولم لا نصوغ فعل أمر من هذا النوع بدلا من أن نخطئ نجيب محفوظ؟ ثم مضيت فأخذت فيما بينى وبين نفسى أستعرض القواعد التى يمكن أن تنظّم لنا صياغة مثل هذا الفعل، ومضيت فى ذلك شوطا بعيدا. إلا أنى فِئْتُ أخيرا إلى ما ينبغى الالتزام به فى أمور النحو والصرف وطرحت تلك الفكرة من دماغى. ولكن لماذا أقول ذلك الآن؟ أقوله كى يعرف القارئ أننى لست ضد محفوظ فى دراستى هذه، وكل ما هنالك هو أننى أردت أن أبين أن حبى للرجل لا يمنعنى من انتقاده حين يكون هناك موجب لذلك الانتقاد، وبخاصة حين أراه يتخبط ويلقى بالاتهامات يمينا وشمالا من أجل تبرئة نفسه، مع أن الأمر لا يستدعى كل ذلك التخبط. وكان أحجى به أن يقر بأن ما قاله أساتذة الأزهر فى تفسير رموز الرواية صحيح. وإلا فإذا كان يرى حقا أنهم غير مؤهلين للحكم عليها وعلى تفسيرها، فلماذا يا ترى اشترط موافقة الأزهر على طبعها فى مصر قبل أن يأذن لأى ناشر مصرى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير