تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بإصدارها؟

وبالمناسبة فالأستاذ النقاش يباهى دائما فى كتابه الذى بين أيدينا بأن شكيمة عبد الناصر كانت قاسية باطشة مع الاتجاهات الدينية بحيث لم يكن أحد يرتفع له صوت آنذاك، ومن ثم استطاع أن يقمع الآراء المضادة للرواية. فهل هذا مما يُتَبَاهى به؟ لقد دفعت مصر الثمن غاليا لهذا العسف والاستبداد وما زالت، وإنّ ما نحن فيه الآن من هوان وعجز لهو من الثمار المرة التى خلفتها لنا سياسة عبد الناصر التى تعجب النقاش أيما إعجاب. أقول هذا، وأنا لا أنتمى إلى أى حزب أو جماعة سياسية أو دينية، ولا أرى فيما حولى منها ما يغرينى بالانضمام إلى أيها. وقد وضحت هذا للقارئ حتى لا يظن ظانٌّ أنى أتبع هذه الجماعة أو تلك، ولهذا أنتقد سياسة عبد الناصر، إذ إن الأوضاع المتردية التى خلّفها لنا عبد الناصر لغنية عن كل إضافة أو برهان، وإلا فمن لا يستطيع الرؤية من ثقوب الغربال إنما هو أعمى عمى حيسيا.

ثم إنى بعد أن قلت هذا أود أن أتبعه بأن الملوم فى ذلك ليس جمال عبد الناصر وحده، بل الأمة كلها على بَكْرَة أبيها، فما عبد الناصر فى الحقيقة إلا صدى لأخلاقها وشخصيتها. كذلك فلولا سكوتُ الشعب على عسفه وترويعه واستبداده بالرأى وتركُه إياه يغامر بالوطن على النحو الذى يحلو له وعدمُ وقوف المفكرين والعلماء فى وجهه (إلا القليلين) لما تمادى فى طريقه المدمر ولما انتهت الأمور على يديه على النحو الذى نعرف جميعا. ثم إن الأستاذ النقاش، الذى ملأ صفحات كتابه تألما وغضبا وعويلا بسبب محاولة اغتيال الأستاذ محفوظ، وحَقَّ له أن يفعل، لم يفكر فى أن يذكر المظلومين الذين سحقهم عبد الناصر وألقى بهم فى غيابات السجون أو علقهم على المشانق بكلمة أو يذرف عليهم دمعة ولو فى السر، وكأنهم ليسوا بشرا. ما كل هذه القسوة يا أستاذ نقاش؟

ليس هذا فحسب، بل إن رجاء النقاش قد تناقض تناقضا أبلق من شأنه أن ينسف كتابه كله من أساسه، إذ زعم أن تفسير "أولاد حارتنا" على النحو الذى أوردناه إنما صدر أول ما صدر عن علماء الأزهر، ثم لم يصدر بعد ذلك عن غيرهم. ولقد رأينا كيف قال بذلك التفسير بعد هذا كاتب وناقد شيوعى نصرانى سورى هو جورج طرابيشى، ووافقه نجيب محفوظ على ما ارتآه وأثنى عليه ثناء عظيما. كما ينسى النقاش أنه هو نفسه قد قال أكثر من مرة فى كتابه: "أولاد حارتنا بين الفن والدين" نقلا عن نجيب محفوظ إن الذى أثار الضجة أولا حول الرواية وقام بالتحريض ضدها لتجسيدها الخالق جل وعلا ولتعرضها بما لا يليق للأنبياء العظام هم عدد من الأدباء. إذن فلم يكن رجال الأزهر هم أول من ثاروا ضد الرواية بسبب ما رأوه فيها من إساءة إلى الخالق ورسله الكرام، بل الأدباء، وهؤلاء لا يمكن الزعم بأن قراءتهم للرواية قراءة دينية، على ركاكة فكرة "القراءة الدينية" كما أوضحت فيما سبق، ودعنا الآن ممن قال بهذا التفسير بعدهم. أى أن كل ما زعمه فى هذا المجال هو خطأ فى خطإ فى خطإ. وهكذا يتخبط الأستاذ النقاش تخبطا شديدا، وكل هذا بسبب رغبته فى التعتيم على الحقيقة كيلا تظهر، وهيهات! ذلك أن للحقيقة ضوءا ساطعا وهاجا يخزق العيون التى تحاول إنكاره.

يقول الأستاذ رجاء (ص46 مثلا): "على أن نجيب محفوظ له رؤيته الخاصة لقصة "أولاد حارتنا" وما جرى لها، فهو يقول فى حديث معى سنة 1990، أى قبل محاولة اغتياله بأربع سنوات: بدأت جريدة "الأهرام" فى نشر "أولاد حارتنا" ابتداء من 21 سبتمبر سنة 1959، ومرت حلقاتها الأولى من دون أن تظهر أى ملاحظات عليها، فالجزء الأول من الرواية لا يثير أية مشكلات. ولكن الأزمة بدأت بعد أن نشرت الصفحة الأدبية بجريدة "الجمهورية" كلمة يلفت فيها كاتبها النظر إلى أن الرواية المسلسلة التى تنشرها "الأهرام" فيها تعريض بالأنبياء. وبعد هذا الخبر المثير بدأ بعضهم، ومن بينهم أدباء للأسف، فى إرسال عرائض وشكاوى إلى النبابة العامة وشيوخ الأزهر، بل وإلى رئاسة الجمهورية، يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمى للمحاكمة. وبدأ هؤلاء يحرضون المؤسسات الرسمية ضدى على أساس أن الرواية تتضمن كفرا صريحا وأن الشخصيات التى تقدمها الرواية ترمز إلى الأنبياء. وقد عرفتُ هذه المعلومات عن طريق صديق لى هو الأستاذ مصطفى كامل حبيب، الذى كان يعمل سكرتيرا لشيخ الأزهر، وكان شقيقه يعمل وكيلا للنيابة. وهو الذى أخبرنى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير