تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا هو النص الذى يشير إلى تفسير محفوظ للجبلاوى بأنه هو الله، وإن حاول محفوظ أن يخفف من الأمر سُدًى. وهو نبذة من المقدمة التى كتبها فيليب ستيورات مترجم الرواية إلى الإنجليزية، وفيها يشير إلى رد الفعل العنيف الذى استُقْبِلَتْ به الرواية قائلا إن السبب فى ذلك هو "أن محفوظا قد تناول القضايا التى ينقسم الناس إزاءها انقساما عميقا لا فى مصر وحدها، بل ربما فى العالم أجمع. ذلك أن أبطال روايته فى حارته القاهرية الخيالية يعيشون مرة أخرى، دون أن يدروا، حياة آدم وموسى وعيسى ومحمد، مثلما يمثل جدُّهم العجوزُ الجبلاوى "اللهَ أو بالأحرى: ليس الله، بل فكرة بعينها عن الله من صنع البشر كما قال نجيب محفوظ فى حوار له معى" (مقدمة الترجمة التى قام بها ديفيد ستيورات لرواية "أولاد حارتنا" بعنوان " children of gebelawi" عن دار نشر Heinmann بلندن عام 1981م/ ص vii). ويلاحظ القارئ أن ستيورات يفسر الجبلاوى بأنه هو الله، وهو ما لم يخالفه فيه محفوظ، وإن حاول التخفيف منه بالقول بأنه ليس الله، بل فكرة الناس عن الله، مما لا يقدم كثيرا ولا يؤخر.

وقد أشارت إلى ذلك Gabriel Judith فى مقال لها بعنوان " Controversial Mahfouz Allegory- Published In New Translation" منشور فى موقع " AL JADID MAGAZINE" الأمريكى ( Vol. 7, no. 37, Fall 2001)، إذ قالت: " Central to the controversy is the overshadowing figure of Gebelaawi, whose fictional demise the Nobel Prize committee took upon themselves to refer to as “the primal father Gebelaawi’s (God’s) death.” Mahfouz himself consistently refused this interpretation, asserting that the Gebelaawi character represents “not God, but a certain idea of God that men have made”–those who forget the absolute transcendence of God, as affirmed in Islam"

وعلى أية حال فإننا لا يمكننا نبذ ما نحن متأكدون منه ومطمئنون له ونرى أنه ليس هناك تفسير أصح ولا أصلح منه، إلى رأى لا نطمئن له ولا نراه صوابا أبدا. فالدين لا يمكن أن يكون له أولاد: أدهم وإدريس وأميمة، أولئك الذين لا يمكن أن يخطئ أحد أن المقصود بهم آدم وإبليس وحواء، فضلا عن الشخصيات التى ترمز إلى الملائكة: عباس ورضوان وجليل. وبنوة هؤلاء وهؤلاء للجبلاوى ترمز إلى خلقه لهم، فالله ليس له أولاد بالمعنى الحرفى، تعالى الله عن ذلك، ومحفوظ أكبر من أن يظن ذلك مهما كانت عقيدته فى الله فى ذلك الوقت الذى ألّف فيه روايته. كما تشير الرواية إلى أن الجبلاوى قد ترك لأولاده وقفا يصرّفونه فى تدبير مصالحهم، مما يرمز إلى ما خلقه الله فى الأرض والسماء من أجل البشر، وأنه قد جمع أولاده: أدهم وإدريس وعباس ورضوان وجليل (أى آدم وإبليس والملائكة) وأنبأهم أنه أوكل إدارة الوقف إلى أدهم، وهو ما أثار اعتراض إدريس قائلا إن هذا لا يصح: فأدهم ابن الأمة، أما هو فابن الهانم. فرد الجبلاوى بأنه قد قام بالاختيار السليم لأن أدهم يعرف أكثر مستأجرى الوقف بأسمائهم، مثلما يعرف القراءة والكتابة والحساب، ثم طرد إدريس إلى الأبد تشيعه اللعنة لإصراره على التكبر والتمرد والعصيان، وهو ما لا يمكن أن يخطئ العقل ما فيه من الإشارة إلى ما ورد فى سورة "البقرة" عن قول الله للملائكة إنه سبحانه جاعلٌ فى الأرض خليفة هو آدم، الذى يعرف الأسماء كلها والذى أنبأ الملائكة بمسمياتها جميعا، ورَفْض إبليس لهذا الاختيار بشبهة أن آدم مخلوق من الطين، أما هو فمن النار، والنار فى رأيه أفضل من الطين. وفى الرواية أيضا أن الجبلاوى موجود منذ القديم وأنه باق كذلك على توالى الأجيال والأحقاب، وإن كان عرفة قد قتله أو تسبب على الأقل فى موته، وهو ما يرمز إلى حلول العلم فى نفوس بعض الفلاسفة والمفكرين فى العصر الحديث محل العقيدة الإلهية، أو على الأقل: طموحه إلى احتلال مكانة الله فى العقول والضمائر. كذلك تقول الرواية إن أمر الجبلاوى لا يُرَدّ، والناس جميعا تهتف باسمه عند الشدائد، فضلا عن أنه لا يشبهه أحد ولا يشبه هو أحدا. وهناك إشارة إلى الوصايا العشر متمثلة فى "الشروط العشرة" التى تنظم ما تركه الجبلاوى لأهل الحارة من أوقاف. ثم إن أيا من البشر لم ير الجبلاوى قط رغم تطاول الأحقاب والدهور، كما كان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير