تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يغفر الذنب ويأخذ به. قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره. فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره لي. فقال عز وجل: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره. فقال عز وجل: عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. أُشْهِدكم أني قد غفرت لعبدي، فليعمل ما شاء". وقبل ذلك كله فمن يعمل عملا صالحا لا بد أن يجنى ثمرته. ثم إذا كان هذا العمل الصالح يشمل الأمة كلها فلا بد له من تضافر جهود الصالحين وتعاونهم حتى يؤتى النتيجة المرجوة. وهذه أمور من شأنها أن تبعث على التفاؤل والاطمئنان. ومعنى ذلك أن التشاؤم المحفوطى أمر لا يعرفه الإسلام ولا تصدّقه وقائع الحياة ولا قوانينها.

لكن المشكلة فى "أولاد حارتنا" أنها تشيع اليأس والإحباط وتصور الجبلاوى فى صورة الأصم الأعمى القاسى القلب الذى لا يلين ولا يتفاهم ولا يصغى لأنات ابنه أدهم لا لشىء إلا لأنه خالف مرة عن أمره فحق عليه اللعنة الأبدية، مع أن القرآن يوضح لنا أنه ما إن أقر آدم بذنبه حتى غفر الله له ولحواء وأبرأهما من خطيئتهما وأعطاهما وأولادهما الفرصة للاجتهاد والعمل، مع الوعد بغفران الذنوب ما داموا يؤمنون به ولا يستجيبون لإبليس، أو "إدريس" حسبما تسميه الرواية، وإن استجابوا رجعوا ولم يصروا على العصيان: "وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة/ 35 - 39).

ثم إننا، وإن لم نر الله ونسمعه رؤية وسماعا مباشرا، نراه ونسمعه ونحسه فيما يكتنفنا من ألوان الخلق والإبداع الذى يدل عليه ويشير إليه كما هو الحال حين نتناول لقمة هنيئة أو شربة ماء على ظمإ أو حين نشم وردة بلدية من النوع الذى كان يحبه نجيب محفوظ أو حين توصوص لنا فى الظلام نجوم السماء أو يطل علينا قمرها فى ليلة من ليالى الصيف الساجية أو حين ننصت إلى خرير جدول أو حين نفنى فى مجالى الطبيعة إبان الربيع وإزهار الشجر، وكذلك فى ابتهالاتنا له سبحانه وعبادتنا إياه، وبخاصة فى لحظات التوهج الروحى، وما أكثرها، وإن كان بعضنا يؤدى العبادة أحيانا بدافع الشعور بالواجب، ولا بأس فى هذا، فإن الحياة لا تجرى دائما على وتيرة واحدة من التوهج والسطوع. وإلى ذلك كله هناك نعمه سبحانه وعطاياه الكثيرة التى نرفل فيها من مرئى ومسموع ومشموم ومقروء ومشعور به فى وجداناتنا، ومنه ما أُحِسّه أنا الآن من نشوة الإبداع وأنا أكتب هذه الدراسة وأَحَسّه محفوظ وهو يكتب رواياته ويتلقى رأى النقاد والقراء الذين يشاركونه الرؤية والرأى، فضلا عن الجائزة التى فاز بها وجلبت له ما جلبت من أموال وشهرة وتقدير، وإن شاب تلك النعم أحيانا المرض والألم والملل، فضلا عن أن جزءا من طبيعة الحياة يتمثل فى امتزاجها بالكَبَد والمشقة، لا فَكَاك من ذلك. ثم إن القسوة التى يرمى بها محفوظ الجبلاوى شىء، والشدة التى يأخذنا بها الله أحيانا شىء آخر. كذلك فإنه سبحانه وتعالى قد وعد بتعويضنا عن هذا الجانب المؤلم من الحياة بنعيم مقيم فى الدار الآخرة لقاء إيماننا به واجتهادنا فى عمل الصالحات وصبرنا على أكدار الحياة ومشقاتها. ولا شك أن إهمال نجيب محفوظ لجوانب الحياة المضيئة على ما يشوبها من كدر هو نقصان فى الصورة يعيب الرواية التى كتبها دون أدنى شك. وثم نقطة هامة أود ألا يفوتنى التنبيه إليها، ألا وهى أن مهمة جبل ورفاعة وقاسم، حسبما تحكى لنا الرواية، هى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير