تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما حسن حنفي فإن وجود الله عز وجل بنظره يعني وجود الإنسان، والصفات الإلهية هي صفات إنسانية، والغيبيات وأمور الآخرة كلها تمثيلات فنية، وصياغات أدبية ([107]) وهو ما اعتبره أبو زيد فهماً تنويرياً للعقائد ([108]).

حتى ولادة عيسى عليه السلام من غير أب والتي أكد عليها القرآن، ودفع عنها شبهات المنكرين والجاحدين] إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [([109]) والتي نفى الباطنيون ظاهرها -كما رأينا - لم ينس العلمانيون أن يتابعوهم عليها فقالوا بأنه لا يمكن لمريم عليها السلام أن تنجب بدون رجل يأتيها كما تعتقد بعض المجتمعات المتخلفة شبه البدائية، وكما تعتقد بعض الأديان الكبرى القائمة إلى الآن ([110]).

هذا على مستوى العقائد والغيبيات، وأما على مستوى أركان الإسلام وفرائضه فقد تحلل الفريقان أيضاً من ذلك فقال الباطنيون بأن "" الحلال هو الواجب إظهاره وإعلانه، والحرام الواجب ستره وكتمانه، وأما الصلاة فهي صلة الداعي إلى دار السلام بصلة الأبوة في الأديان إلى الأمام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، والصوم الإمساك عن كشف الحقائق لغير أهلها، والحج القصد إلى صحبة الأئمة، والإحرام الخروج من مذهب الأضداد، وأما الزنا فهو اتصال من غير شاهد "" ([111]). أما الفرائض بالصورة التي يعرفها المسلمون فهي وضعت لتشغل الناس عن خلافاتهم وتبعدهم عن الفساد ([112]). لا يختلف هذا التأويل الباطني عن التأويل العلماني فهما من مشناة واحدة، فالصلاة كما رأينا في الخطاب العلماني مسألة شخصية، مهمتها أنها تؤدي وظيفة الدمج الاجتماعي ([113]) وتعوِّد العربي على الطاعة للقائد ([114])، وتغني عنها رياضة اليوغا ([115]). أما الزكاة فليست واجبة، وعلى كل حال فهي ليست كافية وإنما هي مرحلة أولى في طريق الانتقال إلى الشيوعية الشاملة ([116]). والحج يغني عنه الحج العقلي أو الروحي ([117]).

وهكذا يمكن أن نؤكد الآن أن الغنوصية والعلمانية العربية بالإضافة إلى الهرمينوطيقا الغربية تتحالف جميعاً لكسر معنى الخطاب وتمييعه عن طريق فكرة الرمزية والعلامة التي تحدث عنها امبرتو إيكو كما أسلفنا، ويغدو النص والكلام عموماً فضاءً للإسقاط، وذريعة للأهواء، وتبريراً للآراء، وهو مستوى عبثي لا يحتاج إلى تعليق اللهم إلا التذكير بعبارة الإمام الغزالي رحمه الله التي علق بها على التأويلات التي تُخرج ذات الله وصفاته عن الوجود الحقيقي فقال: "" إن من ينكر نصاً متواتراً ويزعم انه مؤول ولكن ذِكْر تأويله لا انقداح له أصلاً في اللسان [اللغة] لا على بعد ولا على قرب، فذلك كفر وصاحبه مُكذِّب، وإن كان يزعم أنه مؤول، مثاله ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحدٌ بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره، وأما أن يكون واحداً في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه فلا. وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على إيجاد الوجدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلاً، ولو كان خالق الوحدة يسمّى واحداً لخلقه الوحدة لسُمّي ثلاثاً وأربعاً لأنه خلق الأعداد أيضاً، فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عُبر عنها بالتأويلات "" ([118]) إذن فما يسمونه تأويلاً هو في الحقيقة تكذيب يتلبس لبوس التأويل ولذلك "" لا يجوز التوقف في تكفير من يعتقد شيئاً من ذلك، لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع، ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها، فوصف الجنة والنار لم يتفق ذكره مرة واحدة أو مرتين، ولا جرى بطريق كناية أو توسع وتجوّز، بل بألفاظ صريحة لا يُتمارى فيها ولا يُستراب، وأن صاحب الشرع أراد بها المفهوم من ظاهرها، فالمصير إلى ما أشار إليه هذا القائل تكذيب وليس بتأويل فهو كفر صريح لا يُتوقف فيه أصلاً "" ([119]).

3 – التواصل الشعوري التضامني:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير