تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا أدري: أيُعْقل أن كِتَابًا يرفع التحدِّيَ عاليًا: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍفَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148]، وقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 23]، وقوله تعالى بصيغة التلقين: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الملك: 26]- لا يستجيب لمقومات العلم؟

وهل جاء دورنا لنتوارى عن الأنظار، ونشكك في كل علم جاء به غيرنا؟ أو نأخذ اللواء؛ إعلاءً لكلمة الله، ورفعًا للتحدي عاليًا، كما رفعه القرآن؛ إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل؟

وجُلُّ مَن تكلموا في إعجاز القرآن انساقَت نباهتهم إلى آيات كونية، أو قرآنية، جعلها الله للناس آياتٍ وبصائرَ، تقول بلسان حالها قبل تعبيرها: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].

سبيل حل الإشكال:

إعجاز القرآن الكريم بين الخلق والأمر

{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]

حتى نلمِس حقيقة إعجاز القرآن الكريم، والذي جاء بخاصة بين الخلق والأمر، يأبى علينا خُلُقنا أن نتقدَّم النصوصَ؛ كي لا نقف مع الواقفين على عتبة آيات الله، سواءً منها القرآنية أو الكونية، جعلها الله نبراسًا منيرًا، يَستضِيء به أعشى البصر؛ حتى ينقدح زناد بصيرته لتبصر الغيب، من وراء حجبه الكثيفة، بعدما يرق سمكها، وتُضْحي شفَّافة، فتتوقد حساسيَتها، وتتوقف عند كل كلمة تستشف أسرارها، وتتنبه لدَّلالاتها، وتهتز لما يخفق له القلب طربًا، أو ما طمحت له طموحها، أو انطوت عليه انطواءها؛ بغية تفتُّح إدراك جديد، ورأي سديد، أصاب رمحُه سويداء عيون الفهم، فائتلفت عليه القلوب، وتعانَقَت عليه أيدي الراسخين في العلم، فباتوا نخلاً سامقًا، لها طلع نضديد، رزقًا للعبادِ، وبهذا شدَا كل طير شدوَه بما أصابه من إعجاب بآيات، جاءت بصائرَ للناس، سواءً منها القرآنية أو الكونية، حسب ما تأثر به كل منهم.

وما انساق المنساقون وراء الكلام عن الإعجاز، إلا بحسن ظن منهم؛ بكونهم يبرزون آياتٍ تَستحِثُّ الهمم، وتشحذ العزائم والذمم؛ للالتصاق بهذا المنبع الثَّرِّ المتدفِّق، والذي لا ينضب معينه، ولا تنقضي عجائبه.

واختلط على العوام - والمتخصصين أيضًا - أمر الآيات والبصائر، والتي ساقَت عبرًا وعظاتٍ، قد تَهُزُّ المرء من أعماقِهِ، بما هو حقيقة التحدِّي القرآني.

وانساق الناس وراء آيات البصائر، فتكلم الفقهاء حول الإعجاز البلاغي، والبياني، والعلمي، والغيبي، وتأثير القرآن، والقول بصرف قلوب الناس عن معارضَتِه، وهي كلها إشارات مهمَّة، ووقفات لا تخلو من نُكتَة أدبيَّة وفقهيَّة، لكن الجزم بكونها التحدِّيَ القرآنيَ، الذي رَمَت إليه الآيات، فَهَذَا موطن الخلاف، وهو ما لم نُسَلِّمْه لقائله، وهل بات الخلاف مسألة اصطلاح لدلالة لفظ "الإعجاز"؟

فالكلام عن الإعجاز القرآني مسألة خلافية، لا بد فيها من الرجوع إلى الله، وإلى الرسول، وإلى أهل العلم، والاستنباط، والردُّ إلى الله يقتضي منا الضراعة بباب الكريم:

1 - نقف بباب من تعهد ببيان ما أُبْهِمَ من كتابه؛ مصداقًا لقوله - سبحانه وتعالى -: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19].

2 - نستعين به - سبحانه - ونتوسل إليه بأسمائه الحسنى: "الله العلي الكبير"، و"الله عليم حكيم"؛ ليبين لنا ما أبهم علينا من شأن تحدِّي آيات القرآن، وما صار إليه الكلام تحت عنوان إعجاز القرآن؛ مصداقًا لقوله – تعالى -: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [غافر: 13 - 12]، {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير