تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) وكذلك: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) من الواضح أنه ليس هناك أي علاقة سببية طبيعية بين الاستغفار و نزول المطر، و لا بين الاستغفار و الإمداد بالأموال و البنين، كذلك فإنه ليس هناك تفسير منطقي أو تاريخي لأن يفتح الله أبواب كل شيء على الذين نسوا ما ذكروا به عهوداً من الزمان حتى يفرحوا به ثم ليأتيهم العذاب بغتة فإذا هم مبلسون، في حين أن المنطقي في القياس الإنساني هو أن يتنزل عليهم العذاب مباشرة. إن كل هذه الأمثلة لا تخضع لقانون طبيعي أو تاريخي إنما هي تمثيل للسنن الإلهية التي تخضع لمبدأ الحكمة في التدبير. وإأن كتاب الله الحكيم مليء بمثل هذه الأمثلة التي تتحدث عن سنن إلهية كسنن النصر و الهزيمة و سنن صعود و هبوط الأمم و غيرها و هي أمثلة جديرة بالدراسة و الإتباع، لكن دراستها لا تعنى ردها إلى معادلها الإنساني سواء كان ذلك المعادل قانوناً طبيعياً أو تاريخياً وضعياً. إن دراستها تعنى أن ندرك المغزى العقائدى و البعد القيميّ و السلوكي في هذه الحوادث التي تجعل الوقائع التاريخية تسير إما لصالح الجماعة الإنسانية و إما عكساً لهذه المصلحة و ذلك تبعاً لتحقق مبدأي الوجود الإنساني و غاية الخلق في كل حادثة مفردة و هما مبدأ العبودية و مبدأ الاستخلاف. القضية الأخرى هي أن طرق معرفة هذه السنن هي كتاب الله و سنة رسوله و الاعتبار بتجارب الشعوب و الأمم في موقفها من هذه السنن كما قصها علينا كتاب الله، و ليست إعمال العقل، كما هو شأن الآيات الكونية، أو لنقل أن الأولوية في معرفة هذه السنن هو تلقيها عن الشارع نفسه، على الرغم من عدم نفي إمكانية معرفتها بالعقل، كما هو الشأن في معرفة الله عز و جل، فهو ممكن عقلاُ لكن معرفته عن طريق الأنبياء و الرسالات أولى و أضمن و أقرب للصواب. إن السننية كمفهوم قرآني تقول إن حياة الأمم و سعادتها في الدارين ترتبط بمستوى تقيد هذه الشعوب بقوانين الحياة الأكثر عمقاً و أصالة و أهمية في حياة بني البشر المرتبطة بمفاهيم الاستخلاف و التسخير و العبودية، إن السننية كما يقول عماد الدين خليل في كتابه " التفسير الإسلامي للتاريخ" هي " إثارة الفكر البشري و دفعه إلى التساؤل الدائم و البحث الدائب عن الحق، و تقديم خلاصات التجارب البشرية عِبَراً يسيرُ على هديها أولو الألباب .. و إزاحة لستار الغفلة و النسيان في نفس الإنسان، و صقل ذاكرته و قدرته على المقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة .... تقديم الدليل على علم الله الواسع الذي أحاط بحركة التاريخ ماضياً و حاضراً و مستقبلاً .... ثم تأكيد البرهان على الحق الواحد الذي جاء به الأنبياء السابقون جميعاً و سعوا إلى أن يقودوا أممهم إلى مصدره الواحد الذي لا إله إلا هو .... و الوقوف على السنن و النواميس الثابتة و القائمة على أن الجزاء من جنس العمل، و ضرورة تحرك الجماعة (المدركة الملتزمة) متجاوزة مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار .... من أجل بناء عالم لا تدمره تجارب الخطأ و الصواب".

(السننية في الفكر النهضوي)

إن أول من قدَّم مفهوم السنن والسننية كمفهوم مركزي هو محمد عبده، حيث أن منظومته الفكرية و التي عُرفت بالإصلاحية تقوم على مجموعة من المرتكزات و المبادئ التي يأتي على رأسها مفهوم السننية، و قد سعى محمد عبده إلى تكريس هذا المفهوم كمبدأ في فهم الظواهر الكونية و الطبيعية كما في فهم التاريخ، يقول محمد عبده في رسالة التوحيد التي هي رسالة في العقيدة " كشف الإسلام عن العقل غمة من الوهم فيما يعرض من حوادث الكون الكبير (العالم) و الكون الصغير (الإنسان) فقرر أن آيات الله الكبرى في صنع العالم إنما يجرى أمرها على السنن الإلهية التي قدرها الله في علمه الأزلي لا يغيرها شيء من الطوارئ الجزئية". أما فيما يتعلق بسنن الله في حياة الأمم و الشعوب، فهو يقرر أن الاعتبار بسنة الله فيمن مضى من الأمم و الشعوب، أصل من أصول الدين أقره الله عز و جل في كتابه في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير