تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137) (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) (الإسراء:77) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر:44) ثم يعلق محمد عبده على هذه الآيات بقوله " في هذا يصرح الكتاب أن لله في الأمم و الأكوان سنناً لا تتبدل، و السنن- الطرائق الثابتة التي تجري عليها الشؤون و على حسبها تكون الآثار، و هي التي تسمى شرائع أو نواميس، و يعبر عنها قوم بالقوانين- مالنا و لاختلاف العبارات؟ الذي ينادي به الكتاب- إن نظام الجمعية البشرية و ما يحدث فيها هو نظام واحد لا يتغير و لا يتبدل، و على من يطلب السعادة في هذا الاجتماع أن ينظر في أصول هذا النظام حتى يرد إليها أعماله و يبني عليها سيرته و ما يأخذ به نفسه. فإن غفل عن ذلك غافل فلا ينتظرن إلا الشقاء، و إن ارتفع إلى الصالحين نسبه، أو اتصل بالمقربين سببه. فمهما بحث الناظر و فكر، و كشف و قرر، و أتى لنا بأحكام تلك السنن، فهو يجري مع طبيعة الدين، و طبيعة الدين لا تتجافى عنه، و لا تنفر منه، فلم لا يعظم تسامحها معه؟ "، لا بد لنا هنا من أن نشير إلى أن السنن و الشرائع و النواميس أو ما يعبر عنه قوم بالقوانين، ليست شيئاً واحداً، و أن الخلاف هنا أكبر من كونه اختلاف عبارات لا شأن له، إنما هو اختلاف في المضمون و الدلالة. و يبدو غريباً هنا هذا الخلط البيّن بين المعاني في نص يعالج قضايا التراث الكلامي الإسلامي الذي يمتاز بدقه معانيه و وضوح بيانه. و مع عبده تبدأ مصطلحات من نو ع السبب و النتيجة و القوانين و الشرائع و النواميس تتداخل بشكل جلي مع مفهوم السننية و تضفي عليه أبعاداً جديدة. إن إقرار السننية كمبدأ في حياة الأمم هو إقرار لمبدأ قرآني، لكن تأويل هذا المبدأ و و توظيفاته المختلفة هي التي خرجت به، عند محمد عبده، عن معناه القرآني، فلو استقرأنا كنه هذه السننية في ما كتبه محمد عبده لوجدناه لا يعدوا كونه تطبيقاً لمعنى السببية العلمية الحديثة التي تختلف، بدون أدني شك عن مفهوم السببية كما تقره العقيدة الإسلامية و بالتالي يختلف حتماً عن معنى السننية القرآني، و دليل ذلك موقفه من المعجزات النبوية و إنكارها، و تفسيره للطير الأبابيل بجرثومة الطاعون، و التوسل بنظرية التطور و الارتقاء لتفسير خلق الإنسان. إن الكلام عن السننية هو الذي أسس لنزعة "العلموية" و نعني بها محاولة التوفيق بين مقولات الدين و معطيات العلم الحديث حتى و لو كانت هذه المعطيات افتراضية. أما على المستوى التاريخي فإن السننية في مدرسة محمد عبده تتحول إلى مُعادِل لمبدأ التقدم الذي هو قانون الوجود و الحركة التاريخية الذي لا يمكن تجاوزه.

(السننية في كتابات مالك بن نبي و جودت سعيد)

إذا كان مفهوم السننية يبدو عند محمد عبده معادلاً لمفهوم السببية الوضعي في الطبيعة، و مبدأ التقدمية في التاريخ، و يهدف في المحصلة النهائية إلى جَسْر الهُوّة بين الحضارة الغربية و الإسلامية، فإن مفهوم السننية عند مالك بن نبي يأخذ منحى آخر لكنه يقود إلى ذات النتيجة، فالسننية عند مالك بن نبي تشير إلى سنن الحضارة و البناء الحضاري، التي سنتوقف عند أحدها و هو الدورة الحضارية أو التداول الحضاري الذي يجد ابن نبي مصداقه في قوله تعالي (و تلك الأيام نداولها بين الناس) يرى ابن نبي أن الحضارة تنتقل و تهاجر من منطقة إلى أخرى تبعاً لقانون الدورة الحضارية الذي لا يفيد عند مالك بن نبي سوى مفهوم الانتقال على صعيد الحركة الخارجية، و مفهوم النمو عبر مراحل على مستوى الحركة الداخلية، و لكي تنتقل الحضارة، التي هي في طور الأفول في الغرب إلى الشرق الإسلامي الذي هو في طور النهوض، يجب على الشرق أن يحسن الأخذ عن الغرب و أن يترك قشور الحضارة الغربية ليأخذ أصولها الحقيقية، و بذلك يحرق المسافات الزمنية و يلحق بركب الحضارة، إن هذه الدعوة تعني في جوهرها إلحاقاً حضارياً

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير