تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثًا: الكذب والتدليس مرة أخرى فينقل الصحفي كلامًا من كتاب البداية والنهاية ليس له وجود أصلا فيزعم أن ابن كثير قال عن الذين سبقوا بإسلامهم: "ومن النساء أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله يدعو في خفية ثم أمر الله رسوله بإظهار الدعوة"، ثم يقول: وبالطبع هذه الرواية تدل على أن عائشة قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام 4هـ وأخذ يستطرد ويدور حول هذه القصة الملفقة ليثبت المراد من هذا الكذب ظنًّا أن هذا الأمر لن يبحث عنه أحد، قلت: وقد رجعت إلى الموطن المشار إليه فلم أجد ما ذكره الصحفي الهمام الذي لم يجد بدًّا من الكذب على الأعلام لإظهار الخطأ الموهوم، ولم يذكر ابن كثير خبرًا فيه ذكر أسماء في السابقين إلى الإسلام فضلا عن عائشة.

رابعًا: الحديث الثاني الذي يستند عليه، والعجيب أنه من رواية البخاري الذي يزعم كذبه ويستدل به، والأعجب أنه لم يفهم فحواه، ولعل عذره أنه لم يتخرج في الأزهر كما يقول تلميذه البنا!، والحديث عن عائشة: "لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل هجرة الحبشة ... " وهذا كذب وتدليس من الصحفي ومتابعة على جهله من تلميذه البنا للوصول إلى مأرب وغرض خبيثين، ونص الحديث: "خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَلَ الحبشة"، وهناك فارق كبير بين المعنيين، فالحديث يبين أن أبا بكر لما أوذي واشتد إيذاء قريش له خرج نحو الحبشة مهاجرًا وكان خروجه هذا قريبًا من هجرة المدينة يعني في أواخر الدعوة المكية، فلقيه ابن الدغنة فأجاره، والهجرة لم تنقطع إلى الحبشة إلا بهجرة المدينة، ويؤكد هذا المعنى ما جاء في الحديث نفسه: على لسان أبي بكر لابن الدغنة: إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((قد أريت دار هجرتكم؛ رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين ... )) يعني الأمر لم يتعدَّ الأيام التي خرج فيها أبو بكر يريد الحبشة، فرجع في جوار ابن الدغنة، فلم يمتنع عن استعلانه بالقرآن فشكت قريش إلى ابن الدغنة، فخلع أبو بكر جواره فبشره النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- برؤية أرض الهجرة.

وقد حرف النص كما ترى ليصل إلى مراده، ومعلوم أن بدء الهجرة إلى الحبشة كان في بداية الإسلام ليثبت أن عائشة كانت قد ولدت قبل البعثة، لاحظ أيضًا أن هذا الحديث يؤكد صغر سن عائشة لقولها: "لم أعقل أبوي قط ... " وهذا يؤكد أنها ولدت في الإسلام كما أثبتناه.

خامسًا: تناقض في قياس عمر عائشة على عمر فاطمة بأن فارق السن بينهما خمس سنوات وأن فاطمة ولدت قبل البعثة بخمس سنوات مما يستلزم أن تكون عائشة ولدت عام البعثة الأول، وهذا فيه تناقض صريح؛ إذ كيف يثبت مولدها قبل البعثة بـ 4 سنوات بالموازنة بينها وبين أسماء، ثم يثبت مولدها عام البعثة الأول مقارنة بسن فاطمة، والحقيقة غير ذلك، يقول الذهبي في السير: "وعائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثمان سنين" (سير أعلام النبلاء 3/ 429). وتأمل هذا، وفي ترجمة فاطمة قال الذهبي: "مولدها قبل البعثة بقليل" (السير 3/ 417)، فإذا ما نظرنا إلى سن زواج النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- من عائشة وكان قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا، وقيل بعامين، أضف على هذا السن عمر عائشة حينها وكان ست سنوات، فيكون المجموع 2 + 6 = 8 اطرح هذا من مدة الدعوة المكية 13 - 8 = 5، فإن هذا يعني أنها ولدت في السنة الخامسة من الهجرة. ويؤكد هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة (7/ 216) إذ ذكر أن النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- زوج عليًّا من فاطمة بعد أن تزوج النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- عائشة بأربعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وهذا يعني أنه بنى بها في السنة الثانية من الهجرة، فإذا ما اعتبرنا السن المذكور لفاطمة تبين لنا أنها ولدت قبل البعث بقليل كما ذكر الذهبي وغيره.

فانظر كيف تناقض المسكين الذي يفخر به تلميذه البنا بأنه لم يدرس في الأزهر، والفخر للأزهر حقيقة أنه لم يحتضن هؤلاء المشاغبين، ولم يجلسوا في أروقته، ولم يعرفوا أدب العلم وحق العلماء.

سادسًا: عدم الأمانة العلمية في نقل النصوص؛ إذ نقل الكاتب عن كتاب الإصابة أن فاطمة ولدت عام بناء الكعبة وعمر النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- 35 سنة، وأنها أسن من عائشة بخمس سنوات، ولم يبين أن هذه رواية من روايات عدة ذكرها ابنُ حجر؛ منها أيضًا أن فاطمة ولدت سنة إحدى وأربعين من ميلاد النبي، وقد رجح ابن حجر أن مولدها كان قبل البعثة بقليل وهو ما يتفق مع ما ذكرناه قبل ذلك.

سابعًا: الجهل بالنصوص وعدم الفهم؛ ومن ذلك قوله عن الطبري: "بأنه جزم بيقين أن كل أولاد أبي بكر قد ولدوا في الجاهلية"، وهذا كذب وخلط وعدم فهم؛ لأن نص الطبري المذكور يتحدث فيه عن أزواج أبي بكر الصديق وليس عن أولاده (راجع تاريخ الطبري 2/ 351)، وقد قسم الطبري أزواجه اللاتي تزوجهن؛ فمنهن من تزوجهن في الجاهلية وولدن له، ومنهن من تزوجهن في الإسلام، ثم سمى أولاد أبي بكر من زوجتيه اللتين تزوجهما قبل الإسلام وقال: "فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية"، فالحديث عن الأزواج وليس عن الأولاد، ويمكن أيضًا مراجعة تاريخ الطبري ج 2 صـ 212 في ذكر زواج النبي بعد خديجة، وهو يجزم بأن النبي بنى بها بعد الهجرة وكان عمرها تسع سنين.

وأخيرًا:

الأولى أن يترك هذا لأهل الاجتهاد والعلم وليس لأهل الجهل، فقد أوقعوا بأنفسهم نتيجة عدم البحث والدراسة، والإصرار على التعالم، فعليهم أن يعملوا فيما تخصصوا فيه لا فيما يدعونه؛ فإن ذلك يوقع بهم فيما نرى، وأرجو أن تكون آخر بلايا جمال البنا.

إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

والله تعالى أعلم.

د. محمد عمارة

أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية "جامعة الأزهر"

المصدر ( http://www.alukah.net/articles/1/3388.aspx)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير