تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يتحدث الكثيرون أن حرب غزة كشفت كثيراً من العمالة التي كانت متسترة بالوطنية أو السلام أو غير ذلك، وأنا أستغرب ذلك لأن العمالات والخيانات مكشوفة منذ عقود وعقود عديدة، وإذا كنا لم نكتشف ذلك إلى الآن فهذه مصيبة أخرى. مشكلتنا أننا ننسى فحرب لبنان، وحروب الخليج العديدة، ومن ثم غزو أفغانستان والعراق، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية في أوسلوا، ومسلسل التنازلات المستمر، كل ذلك نسيناه، إن مسلسل الخيانات والمؤامرات مكشوف ومفضوح ولا يحتاج إلى حرب غزة الحالية فقد مرت على هذه الأمة غزات وهزات.

الشيء الذي يمكن أن يقال هنا هو أن الخيانة سابقا كانت بطريقة دبلوماسية أكثر، أما في هذه الأزمة فقد أصبح "اللعب على المكشوف " على حد تعبير الأستاذ فهمي هويدي. فلم يعد حسني باراك - لا بارك الله فيه - يشعر بالخجل وهو يظهر على الشاشة على أنه الحليف الأول لإسرائيل في هذه الحرب، فهو يتحكم بمعبر رفح لمنع الإمدادات عن الفلسطينين، بينما إسرائيل تستخدم أعنى ما لديها من أسلحة.

أصبح أولمرت يعلن أمام جنوده أن بعض العرب يصلون من أجل أن ننتصر على حماس، وأصبحت الجولات المكوكية بين القاهرة وتل أبيب متسارعة جداً تسابق أرتال الطائرات التي تقصف، والقنابل التي تتساقط، والصواريخ والدبابات التي تقصف، والهدف هو سرعة القضاء على المقاومة، سرعة إنجاز المهمة قبل أن تتحرك الشعوب. وليست حماس هي الهدف، وإنما الهدف أكبر من حماس، إنه القضاء على المقاومة، وإركاع الشعب الفلسطيني كله، واقتلاع القضية من جذورها.

في خطاب هذا الزمان أصبحت المقاومة هي المشكلة وليست الحل، لذلك فإن السباب والشتائم التي توجه إلى دعاة الممانعة أفراداً كانوا أو جماعات، لا يقصد بها سوى الموقف الرافض للتسليم، وكما مُنح ياسر عرفات جائزة نوبل لأنه اتفق مع اسحاق رابين، ثم جرى حصاره وتسميمه وقتله لأنه لم يسلم بطلبات باراك، فإن الأسلوب ذاته جرى تعميمه على العالم العربي، فمن استسلم فاز بالرضا، ومن امتنع حلت عليه اللعنة. ذلك شديد الوضوح في الساحة الفلسطينية الآن، فالسلطة في رام الله مشمولة بالرضا والهبات والمساعدات، لأنهم قبلوا بقواعد اللعبة، والمقاومون في غزة محاصرون ويراد لهم أن يلقوا مصير عرفات، حيث لا فرق بين القتل بالسم أو القتل أثناء المذبحة بالصواريخ والطائرات.

ولكن من كان يتصور أن يشارك الطرف العربي في حصار غزة وتجويعها؟ ومن كان يصدق أن يهب بعض الناشطين الأوروبيين لإغاثة المحاصرين عبر البحر، في حين يغلق «الإخوة العرب» طريق البر، ولا يفتحون المعبر إلا بعد أن يتحول الأمر إلى فضيحة عالمية؟ من كان يصدق أن تتحرك القوافل من قلب القاهرة لإغاثة المحاصرين في غزة، ثم تفاجأ بأرتال الشرطة تقطع عليها الطريق، وتجبرها على العودة من حيث أتت! ([2]).

كل البشر يطالبون بفتح معبر رفح - البشر فقط - لكن مبارك دمه بارد وثقيل، ووجهه سميك، وجلده صفيق فهو لا يرى دماء الأطفال، والأشلاء المنثورة في كل مكان، وآهات وصرخات الأمهات، وإذا رآها فهي لا تعني له شيئاً. "" حتى الأعداء يعالجون الجرحى في الحروب، وحتى الأعداء يسمحون بدخول قوافل الأدوية والغذاء، هذا ليس عملا تضامنيا، ولا هو حتى أضعف الإيمان " ([3])

لقد كُتبت في هذا الرجل - إن كان رجلاً - في الصحف والمجلات والإنترنت آلاف الصفحات ولو قام قائم بجمعها وتبويبها لصنع خيراً، وذلك لتكون سيرة ذاتية بحق لهذا الممسوخ، ولتكون لعنة التاريخ والأجيال والأمم لصيقة به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن ماذا يضيره ذلك وهل تهمه صورته في التاريخ وهل يأبه لما ستتحدث به الأجيال المقبلة.

إن كثيراً من الحكام العرب يتوارثون فيروسات الخيانة والغدر، ولقد حقنهم الاستعمار بلقاحات ضد الكرامة، وضد الشهامة، وضد النخوة، فلا تؤثر فيهم المناظر المؤلمة، ولا تجرح لهم إحساساً، ولا تلامس لهم شعوراً، ولعلهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بمشاهدة هذه المناظر، إن منظر أشلاء الأطفال ودمائهم وصرخاتهم وآهات النساء مقرفة بالنسبة لهم، إنهم يعكفون على أفلامهم الإباحية وسهراتهم المجونية فهم في واد والشعب في واد آخر، إنهم كالدمى المتحركة، شخصيات كرتونية تتحكم بها اليد الأمريكية والصهيونية على مبدأ: إفعل ولا تفعل، فنجد كل واحد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير