منهم مشغول بكبح شعبه، وليس لديه أي وقت ليتفرغ لغزة، وماله ولغزة، إن عينه ساهرة على الكرسي، وزبانيته مشغولون بالقمع والاعتقالات والتجويع والسلب والنهب، ولذلك من العبث أن ننتظر من هؤلاء المتخاذلين شيئاً يخدم الأمة إن على المستوى القريب أو البعيد، إن على المستوى الواقع أو الأمل. فإذا كان قريباً من ستة آلاف جريح وأكثر من ألف وثلاثمائة شهيد، وآلاف المشردين والمُعدمين لا تستحق منهم أن يجتمعوا ليتداولوا وليتحاوروا فماذا يُنتظر منهم إن اجتمعوا.
إن شهداء فلسطين يخاطبوننا أن نسير على دربهم فلا يكفي أن نبكيهم ونرثيهم، ثم نمضي في طريق آخر.
الدرس الثاني
الاستعمار: من الباب إلى الشباك
حين خرج الاستعمار تحت ضربات الشعوب العربية والإسلامية، واضطر أن يغادر بلادنا مهزوماً مدحوراً، فكّر بطريقة أخرى للاستعمار، وبينما كنا نحن مشغولين بفرحة الاستقلال والتحرير كان الاستعمار قد أحكم خطة جديدة ليظل جاثماً على صدورنا فترة أطول دون أن نشعر، ونجحت الخطة.
وتتمثل الخطة في مقولة أحد قادة الاستعمار الفرنسي للجزائريين حين خرجت فرنسا من الجزائر: أيها الجزائريون تريدون الاستقلال حسناً؟! تريدون منا الخروج حسناً؟! سنخرج من الباب وندخل من النافذة.
وحين خرجت جحافل المستعمرين من بلادنا واحتفلنا بالجلاء والاستقلال حقق ذلك لدينا كثيراً من الرضا النفسي، والشعور بالنصر، فوضعت الشعوب سلاحها، وما كان لها أن تضعه، لأن عدو الداخل أشد خطراً وفتكاً من العدو الخارجي، ألم يقل جبريل عليه السلام للنبي r بعد هزيمة الأحزاب: هل وضعتم السلاح؟ قال: نعم قال جبريل: فإنا لم نضعه اذهب إلى هؤلاء وأشار إلى بني قريظة. فأوعز النبي r لصحابته: " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ". وكان عقاب بني قريظة قاسياً أزعج إخوانهم العلمانيين المعاصرين اليوم، ولطالما تباكوا عليهم وندبوا مصيبتهم، ولكن عقاب بني قريظة كان مجدياً وناجحاً فقد خرس اليهود بعد ذلك قروناً طويلة – كما يقر أحد المستشرقين اليهود - ولم تقم لهم قائمة، حتى استنعجتنا الأمم فتجرؤوا علينا اليوم.
لقد نجح الاستعمار إذن في إيجاد البديل في بعض بلادنا العربية والإسلامية ""من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا "" ([4]) "" مسوحهم مسوح الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب " ([5]). وأشعرنا عدونا بالاستقلال، فرضينا نحن بذلك، وقد حصّل هو مصالح عديدة:
الأولى: أخرج جنوده عن ساحة الخطر وأعادهم إلى بلادهم.
والثانية: أوهمنا بالتحرر والاستقلال وأرضانا بالصورة الظاهرة لذلك، فوضعنا السلاح قانعين مطمئنين.
الثالثة: تصله مكاسبه وثرواته، وحصته كاملة غير منقوصة، من النفط وغيره دون أن يقدم بإزائها خسارة تذكر، أي: مغانم بلا مغارم!!.
الرابعة: جعل بلادنا أسواقاً لمنتجاته وبضائعه، وأفواهنا مستهلكة لمأكولاته ومشروباته.
الخامسة: جعل بلادنا دائماً متوترة ومتنافرة بسبب الانفصام الحاصل بين الحكام والمحكومين. فقد خضع هؤلاء الحكامُ المتخاذلون خضوع الرقيق لسيده، فهم مجرد ولاة، ومنفذين ومطيعين ومخلصين لأسيادهم المستعمرين، إلا أن أسماءهم فقط مختلفة فبدلاً من الأسماء الأجنبية نجد حسني مبارك، وعبد الله، وزين العابدين.
الدرس الثالث
المراوغة المكيافللية
ومن هنا لا بد من حمل السلاح من جديد لكي نتخلص من هؤلاء الذين يخدمون الاستعمار أكثر من الاستعمار المباشر نفسه، إنهم يكبحون الشعوب باسم الوطنية أو القومية أو غير ذلك من الشعارات الجوفاء، إن ولاءهم كاملٌ لأعداء هذه الأمة، وهم حريصون كل الحرص على إزهاق روح التحرر فيها، فلا يسمحون بأي بصيص من نور أو أمل للحرية أو النهضة، وقد أعدّهم أسيادُهم الأوربيون لذلك إعداداً جيداً ثقافياً وتكتيكياً ومادياً فهم إذا كانوا متخلفين في كل شيء إلا أنهم متقدون في عدة فنون:
- فن المراوغة المكيافللية فهم يبتسمون على الشاشات، ويضربون شعوبهم في معتقلاتها بأيدي من حديد.
- وهم يتظاهرون بالقومية والوطنية، وتُرفع لذلك الشعارات الطنانة، ولكنهم يبعثون بثروات الشعوب لأعداء هذه الأمة.
¥