تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولست أظن أن المسلم يمكن أن يفكر فى إكراه أحد على اعتناق الإسلام، إذ إن دين محمد يقوم على خلوص النية، ولا يعتد بمظاهر الأشياء. نعم لا بد من استصحاب النية فى كل عمل يقوم به الواحد منا كى يكون مقبولا ومأجورا: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، و"رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر". وعلى هذا فليس من المفيد إجبار أحد على اعتناق الإسلام فى الوقت الذى نعرف أنه غير مخلص فى هذا الإسلام. بل لقد أتى على المسلمين حينٌ من الزمن كان بعضهم لا يرحب باعتناق غير المسلمين دينهم لتأثير هذا على دخل الخزينة كما حدث فى عصر عمر بن عبد العزيز، وهو ما أثار ثائرة الخليفة الورع على هذا الموقف القبيح من بعض رجال دولته، إذ كتب إليه حيّان عامله على مصر: إن الناس قد أسلموا فليس جزية. فكتب إليه عمر: أبعد الله الجزية! إن الله بعث محمدًا هاديًا، ولم يبعثه جابيًا للجزية.

وحين يتناول كاتب المقالة مهمة النبى والدوافع التى حملته على الدعوة للدين الجديد نراه يقول: " The preaching of Mohammed as the messenger of God ("rasul Allah") owed its origin to the prophet's firm conviction of the approach of the Day of Judgment ("Yaum al-Din") and to his thorough belief in monotheism ". فمرجع الأمر، حسبما يقول الكاتب، هو اقتناعه عليه الصلاة والسلام باقتراب يوم القيامة وإيمانه بالوحدانية فقط لا أنه اختير من الله سبحانه وتعالى لهذه المهمة اختيارا. فكأن الأمر أمر اقتناع شخصى بعد تفكير فى الأمر وتخطيط للدعوة. وهذا طبعا، رغم ما يبدو على ظاهره من مديح له صلى الله عليه وسلم، هو تكذيب لنبوته. ويمضى الكاتب فى عزف هذه النغمة التى تلح على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا، بل مصلحا ساءته الأوضاع التى كان يراها من حوله فنهض يدينها ويدعو إلى تغييرها. وهذا كل ما هنالك، فلا نبوة إذن ولا يحزنون. وأنا، حين أقول هذا، لا أصادر حق الكاتب فى أن يقول ما يشاء أو يعتقد ما يشاء، بل أريد أن أبين للقارئ المسلم كيف يفكر ذلك الرجل ومن أين يأتيه الخطأ، أو كيف نكشف زيف كلامه للناس ونبين ثغرات المنطق فيه وتنكبه للمنهج العلمى.

ولا يكتفى الكاتب بهذا، بل يمضى خطوة أبعد تكشف ما فى نفسه، إذ يزعم أن محمدا قد استمد دعوته من اليهودية والنصرانية، من بيئته المحيطة به ومن أسفاره خارج بلاد العرب على السواء: " through Jewish and Christian influences, to which he was subjected in his immediate surroundings as well as during the commercial journeys undertaken by him in his youth "، ليضيف بعد قليل أن معلّميه من أهل هاتين الديانتين هم رهبانٌ ويهودٌ نصفُ متعلمين، ومن ثم جاءت معرفته بهما ناقصة ومشوشة فاسدة.

وعبثا نسأل عن الدليل الذى يعتمد عليه الكاتب فى هذه الدعوى، إذ لا دليل البتة. ولو كان هذا الدليل موجودا لساق لنا الكاتب وقائع معينة بما دار فيها من حوارٍ ومَنْ حضَرها من شهود وما رُوِىَ عنها من حكايات. لكنه لم يورد لنا شيئا من ذلك. والسبب ببساطة شديدة أنه لم يحدث على الإطلاق شىء من ذلك. كما أن الوحدانية فى دين الإسلام هى وحدانية صافيةٌ نقيةٌ بِكْرٌ لم تمتد إليها يد بالعبث، وليس فيها شىء مسىء إلى الله ورسوله مما يحتويه العهد القديم فى كثير من المواضع.

لقد أسلمت الجزيرة العربية كلها والشام والعراق وفارس، وكان من بين من دخلوا فى الإسلام آنذاك، ولا يزال، كثير جدا من القساوسة والأحبار، وهو ما يعنى أنهم لم يجدوا عليه ريبة، وإلا ما أسلموا. وحتى الذين كانوا يكذّبونه ويتهمونه فى البداية قد أثبتوا بإسلامهم هذا أن الرسول صادق أمين تمام الصدق والأمانة. كذلك كان هناك منافقون ويهود ونصارى فى كل مكان من بلاد العرب، بالإضافة إلى المرتدين بعد وفاته وعلى رأسهم الأنبياء الكذبة وقوادهم العسكريون، ومع هذا لم نسمع من أحدهم كلمة يتيمة تقول عنه ما يقوله الكاتب المضلِّل. لقد كان كل ما قَدَر عليه اليهود فى عصره أنْ وضعوا أيديهم فى أيدى الوثنيين قائلين لهم: إن دينكم خير من دينه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير