تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا يكون الإخلاص اليهودى لقضية التوحيد الذى يزعم كاتبنا أن محمدا قد استقاه من يهود! كما نَكَلَ زعماء نصارى نجران عن مباهلة النبى حين طلب منهم ذلك حسما للخلاف بينه وبينهم، مُؤْثِرين دفع الجزية، إذ خافوا أن يعاقبهم الله جزاء كفرهم بمحمد، الذى كانوا يعرفون أنه نبى حقيقى، لكنهم لم يشاؤوا رغم ذلك أن يتنازلوا عن الامتيازات التى كانوا يرفلون فى نعيمها بسبب رئاستهم الدينية.

ثم لماذا لم يظهر أى شخص رغم توفر كل الدواعى التى تلح على ظهوره من هؤلاء الذين تعلم محمد على أيديهم ويقول: إننى أنا الذى علمته ما كان يجهل، أو إننى أنا الذى كان كثيرا ما يسألنى فأجيبه. الواقع أنه ليست هناك إلا رواية واحدة عن لقائه وهو صبى صغير ببحيرا الراهب على حدود بلاد العرب، وكل ما جرى حسب تلك الرواية هو تحذير الراهب لأبى طالب من غدر يهود بالطفل ونصيحته إياه أن يعود به أدراجه إلى مكة تجنبا لشرهم لو عرفوا أنه هو النبى المنتظر. ولقد أذكر أن توماس كارلايل كتب فى كتابه: "عن الأبطال وعبادة الأبطال: On Heroes and Hero Worship " يسخر من الأمر كله، إذ كيف لصبى لا يزيد عمره عن أربع عشرة سنة أن يتعلم دينا من الأديان كالإسلام فى مثل ذلك اللقاء العابر القصير، وبخاصة أنه لم تكن هناك لغة مشتركة بين الصبى ومعلمه المزعوم يمكن أن يتفاهما بها؟ وإنى لأهدى هذا السؤال إلى كاتبنا، وإن كنت أعرف الجواب سلفا، وهو أنه ليس لديه أى جواب! وهذا نص ما قاله كارلايل فى أصله الإنجليزى:

" I know not what to make of that "Sergius, the Nestorian Monk," whom Abu Thaleb and he are said to have lodged with; or how much any monk could have taught one still so young. Probably enough it is greatly exaggerated, this of the Nestorian Monk. Mahomet was only fourteen; had no language but his own".

وها نحن أولاء قد مر علينا حتى الآن أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ولم نسمع إلا السخافات التى لا تقنع طفلا، مثل أن محمدا لم يكن إلا راهبا تمرد على الكنيسة بسبب من طموحه الشديد للزعامة واخترع مذهبا نصرانيا جديدا سماه: "الإسلام"، أو أنه صلى الله عليه وسلم مات فى نَوْبة سُكْرٍ بَيِّنٍ وأن جسده وُجِد مُلْقًى على كوم من الرَّوْث وقد أكلت منه الخنازير. ولا يقلّ عن هذا وذاك سخفًا ورقاعةً ما قرأناه فى السنوات الأخيرة من أنه صلى الله عليه وسلم لا وجود تاريخى له، بل هو مثل شرلوك هولمز، وكما أن هولمز ليس سوى نتاج قصصى خيالى فكذلك محمد، أو أن تعبير "الحور العين" المشهور ليس معناه النساء الجميلات اللاتى سيفوز بهن المؤمنون فى الجنة ويَفُزْنَ بهم، بل معناه "الزبيب الأبيض". يريد قائل هذا الكلام المضحك أن يشمت بالمجاهدين الذين يحاربون أمريكا وأتباعها من القوى الغربية فى بلاد العرب والمسلمين وأن يقول لهم إنهم سوف يأخذون مقلبا سخنا بعد أن يكونوا قد فقدوا حياتهم دون أن يحصلوا على شىء مما كانوا يتطلعون إلى الفوز به.

أما ما يدّعيه الكاتب على النبى الكريم من أن معرفته باليهودية والنصرانية مشوشة وفاسدة وناقصة لاستمداده إياها من أنصاف المتعلمين من رهبان ويهود فهى جرأة منقطعة النظير، إذ ما من شىء خالف فيه القرآن الكتاب المقدس إلا وكان الحق فى جانبه هو: خذ مثلا تصوير الكتاب المقدس لله على أنه قد خلق الكون فى ستة أيام شمسية وكأنه سبحانه وتعالى يعيش على الأرض معنا، أو كأن الشمس والقمر كانا قد خُلِقا وقتذاك، وهو ما لم يكن قد حدث، وأنه عز وجل يحتاج إلى الاستراحة بعد التعب الذى شعر به جَرّاء هذا الخلق، وأنه يندم وأن له أبناء وأنه يتجسد وأنه يتصارع مع عباده، أو أن أنبياءه يرتكبون جرائم الزنا ومضاجعة المحارم والقتل بدم بارد والغدر والحقد والدياثة وتسهيل عبادة الأصنام، ثم تعال إلى القرآن وانظر كيف يصحح هذا كله، وغيره كثير، بناءً على ما يقتضيه العقل والحق، ثم قل لنفسك: أى الكتابين يعطيك الصورة الصحيحة؟ وليس هذا كله سوى غَيْضٍ من فَيْض!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير