تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما يقوله الكاتب من أباطيل أيضا زعمه أن الرسول عليه الصلاة والسلام عند هجرته إلى المدينة قد بدأ بالتودد إلى اليهود طمعا فى إسلامهم، إلا أنه انقلب عليهم حين لم يستجيبوا لهذا التودد على النحو الذى كان يأمله. ومن مظاهر التودد المزعوم اتخاذه بيت المقدس قبلة للصلاة وصومه يوم عاشوراء. والواقع أن الكاتب يهرف بما يعرف أنه أكاذيب. ذلك أن الاتجاه إلى بيت المقدس فى الصلاة يرجع إلى ما قبل الهجرة. كل ما فى الأمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل الكعبة بينه وبين ذلك البيت.

وأما صوم عاشوراء فهو لم يفعله توددا إليهم، وإلا ما قال إن المسلمين أحق بصيامه منهم، وإن موسى لو كان حيًّا ماوسعه إلا اتباعه، وهو كلام يعبر بكل وضوح وحسم عن لامبالاته بهم: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم. ثم أمر بصومه"، "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعي". كذلك فالقرآن يعجّ فى المرحلة المكية بالهجوم على اليهود ويفضح خزيهم، فكيف يقول الكاتب إن الرسول بدأ حياته فى يثرب بالتودد إليهم؟ ترى ما الذى كان يمثله اليهود للنبى عليه الصلاة والسلام حتى يقال إنه كان يتودد إليهم؟

كذلك فالزعم بأنه صلى الله عليه وسلم جرى فى إثرهم وحرّم لحم الخنزير كما يحرمونه هو كذب مفضوح، إذ إن تحريم الخنزير يرجع إلى ما قبل الهجرة، أى قبل اتصاله عليه السلام باليهود كما يدَّعِى الكاتب. وها هى ذى آيات سورتى "الأنعام" و"النحل" على التوالى تقول ذلك بلسان واضح لا يحتمل لبسا ولا شرحا، وهى من الوحى المكى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آَبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148) "، "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ". وغنىٌّ عن البيان أن القرآن قد أعلن أنه لا يوافق على ما يحرّمه اليهود على أنفسهم مما لم ينزل بتحريمه نص سماوى، بل يوافق فقط على ما حرمه الله سبحانه عليهم. أقول هذا لأن الكاتب يزعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان فى بداية هجرته إلى المدينة يحرم ما يحرمه اليهود، لكنه انقلب عليهم حين وجد منهم عنادا ورفضا لنبوته. وهذا كله غير صحيح البتة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير