تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى» ". فها نحن أولاء نقرأ أن الابن الذى يأمره الله سبحانه بأخذه وذبحه هو "وحيده". وهذه الكلمة لا يمكن أن تنطبق على إسحاق لأن إسحاق حين وُلِد كان هناك قبله إسماعيل ببضعة عشر عاما فلم يكن "وحيد" أبيه فى أى يوم من الأيام، بخلاف إسماعيل، الذى كان "وحيد" أبيه طيلة هذه المدة. فهو إذن الوحيد الذى ينطبق عليه القول بأنه هو "الذبيح".

وبالنسبة إلى "النسخ" الذى يَعْزُوه كاتبنا إلى ما يقول إنه مخالفة النبى لبعض تشريعات التوراة، أى نسخ الإسلام لها، نقول إن الأناجيل قد ذكرت أن المسيح سبق إلى هذا عندما قال: قد سمعتم أنه قيل للقدماء كذا وكذا، لكنى أقول كيت وكيت. بمعنى أن التشريعات الفلانية التى ورد النَّصّ عليها فى التوراة قد أتى هو صلى الله عليه وسلم فبدّلها إلى تشريعات أخرى. لكن الكاتب كدَيْدَنه يتجاهل مثل تلك الحقائق التاريخية ظنا منه أن باستطاعته النيل من الرسول محمد ودينه. وبعد المسيح نرى بولس يعمل نفس الشىء فيبدل بعض التشريعات بدوره.

كذلك يتجاهل الكاتب حقائق التاريخ كما تسجلها آيات القرآن فنراه يدعى أن الرسول بدأ رسالته بوصفه نبيا عربيا، ثم انتهى فى المدينة بإعلان نفسه نبيا عالميا. ووجه الضلال فى هذا أن الآيات المكية تنص على عالمية الرسالة المحمدية منذ وقت بعيد كما سبق بيانه، ومن ثم فلا لزوم لإيراد تلك النصوص التى لا أظنه إلا يعلمها تمام العلم، لكنه يتجاهلها ظنا منه أن بمستطاعه التشويش على الحقائق التى لا تقبل الجدال. وبالمثل لا لزوم لإعادة الاستشهاد بالآيات التى تدل دلالة قاطعة على أن الإسلام لا يعرف الحرب من أجل فرض العقيدة على أحد، بل للرد فقط على من يعتدون على المسلمين وبلادهم. ذلك أنه قد سبق أيضا الاستشهاد بعدد من تلك الآيات آنفا. ومما يضحك الثكالى قول الكاتب إن صورة الصلاة بعدد ما فيها من ركوع وسجود لم تستقر على هذا الوضع الذى نعرفه إلا بعد زمن طويل من وفاة الرسول يبلغ قرنا كاملا. وهو ادعاء لا أصل له ولا فصل.

وهناك أيضا زعمه أن الفقه الإسلامى قد تاثر تأثرا كبيرا بالفقهين الرومانى واليهودى. وهذا بدوره كلام مرسل لا دليل، أىّ دليل، عليه. ومن المعيب أن يكون هذا هو المستوى العلمى لمقالة على هذا النحو من الأهمية فى موسوعة عالمية كان ينبغى أن تُسْنِد كتابة تلك المقالة لعالم يضن بالمنهجية العلمية أن تُنْتَهَك بهذا الشكل المزرى. ولقد تعرضتُ بالنقد المفصَّل لدعوى تأثر الفقه الإسلامى بفقه الرومان فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل واباطيل"، فيمكن أن يرجع إليه من يشاء للوقوف على ما قلته فى تلك القضية.

ورغم ذلك كله نرى المؤلف يبدى دهشته الشديدة (المبطنة بشعور الإعجاب، أو بالأحرى: بشعور الحسد) لما يراه بحق شيئا لا مثيل له فى التاريخ، ألا وهو هذا الانتشار البَرْقِىّ للإسلام حتى لقد غطى المساحة الممتدة من أقصى شرق آسيا إلى أقصى الشمال الغربى من أفريقيا، فضلا عن شبه جزيرة أيبريا فى أوربا وغيرها من البلاد، فى بضع عشرات من الأعوام. إلا أن القلب ينفطر حين يتطلع الإنسان منا حوله فيجد هذا الخمول الضارب بأطنابه فى العالم العربى والإسلامى، والذى أغرى وما زال يغرى كلاب الاستعمار بالوثوب على بلاد المسلمين واحتلالها كلما واتتهم الفرصة واستذلالهم وتكبيلهم بالقيود المُشِلَّة. لكن ماذا نقول، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس كما يقول القرآن الكريم؟ ومع ذلك فإن هذا القانون الإلهى لا يعطى للمسلمين الحق فى العذر لأنه إنما يعكس نتائج عملنا أو خمولنا، وجِدّنا أو هزلنا، ولا يُفْرَض فرضا من قِبَل السماء. هذا، ولا أدرى السر فى أن الكاتب حين أراد أن يعطينا إحصائية عن عدد المسلمين فى العالم عاد القهقرى إلى عام 1897م حيث لم يكونوا أزيد عن ربع المليار إلا قليلا. ومعروف أنهم فى الوقت الحالىّ لا يقصّرون كثيرا عن المليارين كما تم توضيحه فى غير هذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير