تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذن فقول الكاتب إن محمدا قد أظهر بعض الليونة تجاه اليهود وأهل الكتاب عموما مقابل دفعهم الجزية هو كلامٌ ملتوٍ صوابه أنه عليه الصلاة والسلام قد بدأ بمعاملة اليهود معاملة راقية تقوم على تسويتهم بالمسلمين تمام التسوية ودون أن يكلفهم شيئا البتة على ما هو واضح من بنود الصحيفة التى كتبها بين الفريقين غداة هجرته إلى يثرب. إلا أنهم، كعادتهم دائما فى مقابلة الخير بالشر، والجميل بالقبيح، قد شرعوا يتآمرون عليه وعلى دينه وأتباعه منذ اللحظة الأولى، فأعطاهم صلى الله عليه وسلم الفرصة تلو الفرصة دون أن يؤاخذهم على غدرهم المؤاخذة الحاسمة المطلوبة، إلى أن زادت الأمور عن حدها ولم يعد فى قوس الصبر منزع، فكان لا بد من آخر العلاج، وهو البتر، حتى تستقيم الأمور، بعد أن اتضح أن القوم ليس لهم صلاح ولا لمرضهم النفسى والأخلاقى شفاء، وأن المشكلة تكمن فى شخصيتهم ذاتها، تلك الشخصية التى لا تنطوى على خير لأحد. واضح إذن أن الكاتب لا يريد أن يبصر الحقائق ويُؤْثِر أن يظل مغلقا عينيه. وهو فى هذا حر، إلا أننا أيضا أحرار كما هو حر، وملزمون بكشف الزيف الذى يريد تسويقه لقراء مقاله ووضع النقاط على الحروف حتى تستقيم الأمور.

أما إشارته إلى الصَّغَار الذى ينبغى أن يذيقه المسلمون أهل الكتاب لَدُنْ أخذهم الجزية منهم والذى نصت عليه الآية التاسعة والعشرون من سورة "التوبة" فهو غير عام، ولا يُقْصَد به إلا من كانوا يريدون بالمسلمين شرا وأمكن الله منهم، وإلا فماذا يريد الكاتب من المسلمين؟ أيريد منهم أن يصفقوا لمن يعمل على تدمير كيانهم السياسى ويقضى على دينهم؟ وهذا هو نص الآية: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". والمقصود هنا هم الروم، الذين جيشوا على حدود العرب جيشا جرارا يريدون به غزوهم والقضاء على دولتهم ودينهم، فأمر الله المسلمين بتأديبهم وعقابهم بالجزية والصَّغَار، وهو أقل شىء يمكن عمله فى هذه الحالة.

وكيلا يستغرب مرامىَ كلامى من لا يعرف الحقيقة أُحِيله على ما جاء فى العهد القديم من التشريع الواجب على اليهود اتباعه فى الحرب مع الأمم المجاورة. ألا وهو الاستئصال التام لكل إنسان دون أى استثناء، ودون أية شفقة لشيخ أو امرأة أو طفل حتى لو كان طفلا رضيعا. هذه هى الحقيقة التى يتكتمها الكاتب ثم ينخرط فى فواصل متتالية من النصح والإرشاد لنا نحن المسلمين، مع أننا كنا ولا نزال أرحم مَنْ عامَل اليهود وأعطاهم الفرصة للعيش الآمن الكريم بين أَظْهُرنا رغم ماضيهم الغادر فى التعامل معنا منذ أيام النبى عليه السلام.

وهذا هو نص التشريع اليهودى فى الحروب، وما يهمنا منه هو ما يخص حروب اليهود مع الأمم المجاورة لهم لأننا من هذه الأمم بطبيعة الحال. وهو موجود فى الإصحاح العشرين من سفر "التثنية": "10 «حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ". و"التحريم" هنا معناه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير