تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإبادة والاستئصال.

وفى تناول الكاتب لموضوع الكتابات الإسلامية الجدلية ضد اليهود حسب قوله نراه يشير أول ما يشير إلى ما جاء فى القرآن من أن بعض اليهود يقولون بأن عُزَيْرًا ابن الله، نافيا أن يكون الأمر كذلك، ومؤكدا أنهم إنما كانوا يبجّلونه ليس إلا. يريد أن يقول إن الرسول قد أخطأ فنسب إلى اليهود ما لم يقولوه. وإلى القارئ أولا ما قاله القرآن المجيد فى هذا الموضوع: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (التوبة/ 30). ويُفْهَم من النص أن من يهود المدينة من كان يقول ذلك عن عُزَيْر. ولو كان ما يقوله القرآن خطأً لسمعنا اليهود يردون عليه ويخطئونه ويسخرون منه ومن النبى الذى أتى به، وهم الذين كانوا يسخرون ويتهكمون من الإسلام والمسلمين بالباطل لا يكفون عن ذلك أبدا. فلماذا سكتوا هنا إذا لم يكونوا فعلا يؤلهون عزيرا مع أن السكوت يثبّت التهمة عليهم؟ إنهم لم يكونوا ليفلتوا هذه الفرصة لفضح النبى وكسره كسرة لا تقوم له قائمة بعدها لو كان ما قاله القرآن غير صحيح. وفى بعض الروايات أن ابن عباس باحث فى هذه المسألة ذات يوم عبد الله بن سلام، وهو صحابى يهودى الأصل، فأجابه ابن سلام بما كان من كتابة عزير التوراة من ذاكرته وقول بنى إسرائيل حينئذ: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا فى كتاب، أما عُزَيْر فقد جاء بها من غير كتاب. فغَلَتْ فيه طوائف منهم وقالوا إنه ابن الله. كذلك ذكر الجاحظ، فى "رسالة الرد على النصارى"، أنه كان فى عصره بقايا فى الشام واليمن وبعض بلاد الروم من اليهود القائلين ببنوة عزير لله. ثم هناك المناظرة التى انعقدت بين الفخر الرازى وأحد القساوسة الذى أقر بأن هناك فعلا يهودا يؤمنون بذلك، إلا أنه اعترض على ما ظنه تعميما من القرآن لهذا على اليهود جميعا، فبين له الرازى أن التعميم ليس بلازم. وما قاله الرازى صحيح، إذ قد يُطْلَق الكل ويُرَاد به الجزء فقط لغرض من الأغراض البلاغية كما هو معروف. ويجد القارئ هذا الكلام فى كتاب الرازى: "مناظرة فى الرد على النصارى". وفى "تفسير عثمانى" (باللغة الأوردية) للشيخ شبير أحمد عثمانى أن عالما هنديا هو الحاج أمير شاه خان لقى فى سفرته إلى فلسطين قبل بضعة عقود يهودا من "العُزَيْرِيّين" لا يزالون يعتقدون أن عزيرا ابن الله. وبالمثل أشار د. عبد المنعم الحفنى فى "الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية" إلى جماعة من اليهود يزعمون أن عزيرا ابن الله. نخرج من هذا كله بأن الكاتب إنما يريد تخطئة القرآن بأى طريق! وقد سبق أن عالجت هذه القضية بتفصيل أكثر فى كتابى: "مع الجاحظ فى رسالة الرد على النصارى" فى الفصل الموسوم بـ"عُزَيْر".

ثم يعود الكاتب إلى ما سبق أن تحدث عنه من أن المسلمين يقولون إن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، ولكنْ فى سياقٍ آخَرَ هو رده على اتهامهم لليهود بتحريف التوراة. وقد مَرَّ قبل قليل أن العهد القديم فى هذه النقطة، كما فى كثير غيرها، يرد على نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى قول من المسلمين. وعلى كل حال هل يعقل مثلا أن يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه إنه استراح من عمله بعد أن خلق السماوات والأرض، وكأنه يجوز عليه التعب والإرهاق ويحتاج إلى التقاط أنفاسه وتجديد حيويته حسبما جاء فى الإصحاح الأول من سِفْر "التكوين"؟ أم هل يعقل أن يقول إن له أبناء مثلما للناس بنات، وإن أبناءه قد ذهبوا إلى بنات الناس واتخذوهن زوجات لهم كما جاء فى الإصحاح السادس من ذات السِّفْر: "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا "؟ أم هل يعقل أن يكون سِفْر "الخروج"، وهو عن موسى وبنى إسرائيل، قد كتبه ذلك النبى عليه السلام، على حين أن الضمير المستخدم فى السِّفْر كله من أوله إلى آخره هو ضمير الغائب، فى الوقت الذى نجد السفر كثيرا ما يحكى أشياء وقعت قبل مجىء موسى إلى العالم وأشياء أخرى وقعت فى غيابه حينما كان فوق الجبل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير