وأما من جهة المنهج فيقول لهم أيضا: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وينقل لهم قول مالك: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)، فأنظر أين جعل القداسة، وأين جعل الخطأ؟ وينقل لهم كذلك قول الشافعي: (كل ما قلت؛ فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني).
ويختم لهم بقول أحمد بن حنبل: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا). كلهم إذن يرجعون إلى منهج واحد، وكلهم كذلك يقرون بإمكان وقوع الخطأ في تطبيقهم، فتطبيقهم لا يحمل معنى القداسة. فمرجع القضية إذن إلى صحة المنهج، وإن أي بديل منهجي يطرحه الأستاذ أو غيره سوى هذا المنهج سيحمل معه فكرة القداسة. ثمة سؤال يردده الفكر الحداثي - بعد ذلك - حول المنهج الذي يقدمه الخطاب الديني: بأي فهم يمكن أن نفهم الكتاب والسنة في حالة التسليم بهما؟ وهو سؤال يتطلب قدرا أوسع من هذا التعقيب، ولما انحصر الجواب في ذهن أصحاب هذا التساؤل بين القول: بفهمنا نحن: الخطاب الديني، وبين عدم تحديد صاحب الفهم؟ كان البديل المنهجي الذي يطرحه كثير من أصحاب هذا الفكر، هو الخروج من أسوار هذا المنهج إلى بديل آخر يقوم على فكرة (تعدد القراءة)، وهو بديل منهجي قام على أساس الفلسفة (الهرمنيوطيقية) التي نشأت لإشكاليات معروفة في الفكر الغربي، وستنتهي في نهاية المطاف إلى فوضى النسبية، كما يقول أتباعها: (إن الحداثة تؤدي حتما إلى النسبية الشاملة في مجالات العلوم والفنون والفلسفة والأخلاق، وحتى في مجال العقيدة).
وبهذه النسبية يحقق الجابري واحدا من أهم أهداف مشروعه وهو: (تحويل العقيدة إلى مجرد رأي). ويصلوا في النهاية إلى صياغة (إسلام متحرك ومربك يحمل قارئه قسراً على مغادرة اطمئنانه ويقينه) كما تقول - عن نفسها - المدرسة التونسية التي يشرف عليها عبد المجيد الشرفي. هذه هي الحقيقة النهائية التي تنتهي إليها الأطروحة الحداثية: (مغادرة اليقين) إلى كل من يبحث عنه، وعندما يغادر اليقين، فلن يختار هذا الشباب الضائع ثقافة (التفجير) الآثمة، بل سيتجه نحو ثقافة (الانتحار) اليائسة، وهما طريقان كلاهما يؤدي إلى نفس النتيجة، وهي: إزهاق الأرواح البريئة.
المصدر:
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2009...0212258277.htm
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[13 Feb 2009, 06:00 م]ـ
رد موفق، وأسأل الله لك المزيد.
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[15 Feb 2009, 05:35 م]ـ
ماشاء الله وبارك الله ببيانك وجزاك الله خيرا
وحقاً يصدق فيهم مقالة:رمتني بدائها وانسلت
وأقول عنهم: وكأنهم رأوا أنفسهم فينا فكان نقدهم كشفا عن خبيآتهم وبيان لمقاصدهم
ـ[مرهف]ــــــــ[17 Feb 2009, 05:21 ص]ـ
بارك الله بك وبقلمك رد موفق، ما شاء الله، وأود التعليق بالقول إن نقد ما يسمى بالخطاب الديني والمقارنة بينه وبين الخطاب الرباني بالمنطق العلماني الذي يكتب فيه الجابري وأمثاله صار واضحاً في أنه لف ودوران يعبر على وجود تشويش فكري واضطراب عقلي في الفهم لحقيقة هذا الدين والسبب في ذلك - والله أعلم -أنهم تلقوا فهمهم للإسلام من كتب وأقلام وعقول ليست إسلامية المنشأ والتربية والعلم، كما أن الخطاب العلماني الذي يقدمه أصحابه صار باهتاً من كثرة التكرار في النقد وقديما في عرض الأفكار ومبسوراً عن الواقع العلمي وليتهم يصرفون وقتهم في تعلم أصول الاستنباط والاجتهاد والفهم في العلوم الشرعية بدل الكتابة من خلفية فكرية مغربة أو مشرقة والله أعلم.
ـ[إبراهيم المصري]ــــــــ[07 Apr 2009, 09:58 ص]ـ
لك مني كل الشكر والتقدير
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[24 Jun 2009, 08:38 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
الأستاذ الفاضل أبو حاتم ـ حفظه الله ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أما بعد، فإننا في حاجة ملحة إلى مثل هذه المقالات العلمية الرصينة.
جزاكم الله خيرا، ووفقكم لما يحبه و يرضاه.
و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.