وبذلك لا يمكن اعتماد ما تفرد به المناوي في مجال الشعر الذي لا يجيده ولا يعرفه، ولكن إذا صح قوله فرضا كما في هذه الدعوى المتهافتة – ومن الاستحالة بمكان أن يصح – فماذا يعني؟ لا شيء على الإطلاق، لأنها عبارات قليلة جدا أمام عبارات القرآن الكثيرة، والحق أن البلاغة ليست في العبارة الجزئية بل هي في ترابط الكلام وانسجامه ونظمه، فهل أخذ القرآن الذي هو في غاية البلاغة من هذه الأقوال الركيكة؟ فإذا أجاب هولاء النصارى بنعم – فإن سلمنا جدلا بهذا الأمر البعيد جدا -فإن البلاغة هي المعيار؛ فيكون للقرآن الفضل على هذه العبارات الركيكة لا لها.
- إن كل من له معرفة بالشعر والأدب يعلم أن لكل شاعر أو أديب روح أدبية متميزة لا يجاريه فيها أحد؛ فالشعر أو الأدب هو بصمة الشاعر أو الأديب، وشعر امرئ القيس فخم جميل مترابط النسج قوي التركيب، وهذا الشعر الذي نسب إليه – وإن اقتبس شيئا من القرآن – إلا أنه ضعيف جدا مفكك البناء ركيك الأسلوب؛ كما أن فيه روح المتأخرين الظاهرة ثم إن قوله: (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها) لا يستقيم في ميزان الشعر فإذا كان هذا بيتا من الشعر فهو مكسور، وكذلك (يتمنى المرء في الصيف ...... ) ففي هذين البيتين أيضا خلل من ناحية الوزن الشعري؛ إذ أنهما من بحر الرمل، والشطر الثاني من البيت الأول من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرىء القيس،،ومن يعرف الشعر أدنى معرفة لا يمكن أن يخفى عليه ذلك ناهيك عن امرئ القيس، وكل هذه الأمور تقدح في نسبتها إليه وليس ذلك فحسب بل تقدح في نسبتها إلى مجرد شاعر مولد فضلاً عن شاعر جاهلي له مكانته العالية جدا بين الشعراء، وجودة نظم الشعر وقوة تركيبه هو الذي يميزه، ولا شك أن أهم الصفات التي ميزت القرآن وجعلته في درجة الإعجاز هو نظمه العالي الذي لا يتأتى لبشر.
- هذه الأبيات المنسوبة لامرئ القيس - على ضعف سبكها وسقم معناها وسخف تراكيبها - في معانيها أمور ينبغي أن يُسأل عنها إذا كنتم أيها النصارى مصرين على نسبتها لامري القيس: ما المراد بالساعة واقترابها؟ إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيب، فما المراد حينئذ بقوله: (وانشق القمر)؟ فإن كان المراد انشقاق القمر فعلاً فإن القمر لم ينشق في عهدهم أبدًا،، وإن كان المراد بالقمر المحبوب، فليس من عادة العرب تشبيه المحبوب بالقمر المنشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوب، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله، لا بالقمر المنشق،
كقول النابغة الشيباني
تسبي القلوب بوجهٍ لاكفاء له كالبدر تم جمالاً حين ينتصف
تحت الخمار لها جثلٌ تعكفه مثلُ العثاكيلِ سُوداً حِينَ تُقْتَطَفُ
لها صحيفة وجهٍ يستضاء بها لم يَعْلُ ظاهِرَها بَثْرٌ ولا كَلَفُ
وقوله:
لها وجهٌ كصحنِ البدر فخمٌ ومنسجرٌ على المتنين سود
وعينا برغزٍ خرقٍ غريرٍ وزان النحر واللبات جيد
ترى فوق الرهاب لها سموطاً مع الياقوت فصله الفريد
وقول عنترة:
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
وامرؤ القيس لم يشبه المرأة بالبدر والقمر إطلاقا في شعره
- أما في قوله: (فرّ عني كهشيم المحتظر) فقل لي أي علاقة بين هشيم المحتظر وبين فراره عنه؟ إن الأمر بعيد والتشبيه ضعيف للغاية، وأين ذلك من قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)
- إن امرأ القيس رغم أنه قد نسبت إليه كثير من الأشعار ونسبت إليه قصائد كثيرة لا تصح نستها إليه ونسجت حول سيرته القصص، وصيغت الأساطير، إلا أن هذه الأبيات المذكورة هنا ليس لها وجود في كتب اللغة والأدب، ولا في الأساطير التي نسجت حول امرأ القيس ولا توجد في ديوانه على اختلاف طبعاته ونسخه ورواياته ولا حتى في قصائده المنحولة، ولهذا لم تذكر لهذه الأبيات سندًا أو مصدرًا
- إن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى مؤيد الدين القمي الذي كانت له اقتبسات كثيرة من القرآن ثم إن بعض الأبيات السابقة أيضا منسوبة إلى يحيى بن صاعد.
¥