تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتلك الأبيات مثل قول أبي سعد بن نوقة:

إن كنت تأكل ما حضر فاحضر فإنك منتظر

والساعة اقتربت لفر ط الجوع وانشق القمر

ورسولنا بكتابنا هذا الظريف أبو بكر

وبإذنه حركت منه الكاف كيلا ينكسر

وأظن أن هذا كان شكلاً من أشكال الظرف عند المتأخرين ولذلك كان لا يهتمون بمتانته وحسن السبك فيه كثيرا وإنما كان غرضهم التظرف بـ"الاقتباس" من القرآن فحسب، ولهذا يقول الألوسي عن هذا " لا أصل له ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي "، وقد نسب الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام هذه الأبيات للوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية الذي عاش في القرن السادس الهجري ويصفه بأنه كان "حلو الألفاظ، يكتب بالعربيّ والعجميّ كيف أراد، ويحلّ التّراجم المغلقة. وكان ظريفاً لطيفاً، حسن الأخلاق، حلو الكلام"

واقتباسات القمي هنا ليست من الاقتبسات الجميلة الرائعة كما هو واضح، وإذا أردت في ذلك أمثلة متينة فانظر إلى اقتباسات الخنساء في قولها:

أبعدَ ابن عمرو من آل الشّريد حلَّتْ به الأرضُ أثقالها

فخر الشّوامِخُ من فَقْدِه وزُلزلتِ الأرضُ زلزالها

وقولها

هممتُ بنفسي بعضَ الهُموم فأوْلى لنفسيَ أولى لها

واقتباسات الكميت في قوله:

يَعيبونني من جُبنِهم وضلالِهم علَى حُبكم بل يسخرون وأعجبُ

وقوله:

ألم تَرني من حُبِّ آل محمد أروح وأغدو خائفاً أترقّبُ

- إن الجاهليين الذين نزل فيهم القرآن كانوا أعلم الناس بأشعار العرب، وكانوا أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كله لم يقل أحد منهم: إن ما جئت به مقتبس من شعر من امرئ القيس، بل اعترف أعلمهم بالشعر أن القرآن لا يشبه الشعر يقول الوليد بن المغيرة – وهو كافر لم يسلم - عن القرآن الكريم: " والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا "

- إن محاولة نسبة الأبيات السابقة إلى امرئ القيس لتقوم دليلا على فرية أخذ القرآن من شعر امرىء القيس، ليست جديدة بل نشأت منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي حين نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتابًا بعنوان (تنوير الأفهام) ذكرت فيه هذه الفرية التي لا أصل. وقد رد العلامة محمد رشيد رضا على هذه الفرية في زمانه فقال: (لولا أن في القراء بعض العوام، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم، وأبلغ بلغائهم ......... إن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين وهو أدنى ما نظموا في الاقتباس، ولم ينسبه إلى امرىء القيس إلا أجهل الناس ........... فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه)

ـ أن عجيب نظم القرآن قد بلغ الغاية التي ليس بعدها غاية، فهو نسيج وحده في الجمال بحيث لا يشبهه نظم آخر لا نظم امرئ القيس ولا غيره

ـ لو كان القرآن مقدورا على العباد لكان اتفق للعرب وتأتى لهم ما يعارضوه به حتى قبل البعثة، ولكن لما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق أو خطبة متقدمة أو نظم بديع أو أي شئ من ذلك - علم ضرورة أنه لم يكن إلى ذلك من سبيل؛ وأنه لا يوجد له البتة نظير

ـ كلام البلغاء المتفوقين يختلف على حسب اختلاف هذه الأغراض؛ فمن الشعراء من يجيد المدح دون الهجاء أو الهجاء دون المدح أو وصف الإبل أو الخيل أو وصف الحرب وغير ذلك، ولذلك ضرب المثل بفحول الشعراء الذين لا يتقدمهم شاعر في معنى واحد فقط؛ فقيل: (أشعر العرب امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب) وإذا تأملت شعر أي شاعر كبير رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال والموضوعات التي يتناولها؛ إذ أنه يأتي بالغاية في البراعة في معنى فإذا جاء إلى غيره في قصيدة أخرى قصر عنه وبان الاختلاف على شعره. أما نظم القرآن -

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير