تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كذلك يفعل العلماني بالتعميم العامي إذ يعتبر كل النصوص الدينية مطلقة التماثل أو مطلقة الاختلاف من دون اعتبار للمحددات الموضوعية والظرفية المميزة بينها. إن مسألة الصحة التامة لنص القرآن بمقتضى مبدأ الحفظ الإلهي إذا نظرنا إليها من وجهها المعرفي فإنها تكون وكيفما قلبناها عديمة المعنى في العقد وفي العلم على حد سواء للعلل التالية:

1. فإذا أخذنا المسألة كمسألة إيمانية كان طرحها فاقدا لكل معنى كإشكال معرفي لأن المؤمن بالمصدر الإلهي للقرآن مؤمن بحفظ الله له في آن. وكل علم يزعمه صاحبه مشروطا بمناقضة هذا الإيمان لا معنى له عند المؤمن. فالمؤمن يمكن أن يرد على صاحب هذا العلم المزعوم: ما يدريك فلعل ما حصل مما تزعمه من زيادة أو إنقاص في النص -تسليما بحصوله-جزء من مفهوم الحفظ ومقصودا فيه (والقرآن يقدم لنا حالة من مثل ذلك بنظرية النسخ والإنساء في بعض الحالات)؟

ذلك أنه بالنسبة إليه حتى إذا حصل إنقاص فقد كان ذلك لحذف ما زيد بخلاف الحفظ وإذا حصلت زيادة فللعلة المقابلة تسليما جدليا بحصول أحدهما أو كليهما وردا إياه إلى الحفظ خاصة والقرآن الكريم كما أسلفنا يشير إلى حالة من هذا الجنس حصلت للنبي نفسه هي الآيات التي نسبت إلى التمني الشيطاني ونسخت نصا ومعنى لهذه العلة.

2. وإذا أخذناها كمسألة معرفية من دون الإيمان فإن هذا البحث لن يقدم المعرفة إلا كالحال في مباحث الحديث والصحة التاريخية مع غياب الدافع الوحيد المبرر لمثل هذا السؤال إذ أي معنى للتمييز بين الصحيح وغير الصحيح لمن يعتبر الدين كله خرافة؟ بالمعنى العلمي الوضعي كل النصوص من صنع الإنسان ومن ثم فالمسألة تصبح معرفة الإنسان الصانع وليس معرفة الصحيح من غير الصحيح. ثم إن طارح المسألة المعرفية لا يعنيه إلا وجود الشيء ولا معنى عنده لما هو من أصل الرسالة والمنحول إذا هو يعتقد أن الرسالة نفسها من عمل البشر ومن ثم فهو عنده بالجوهر منحول على الله. فأي معنى عندئذ للتمييز بين النوعين عند واضع السؤال على هذا النحو وكلاهما نحل على الله سواء كان من الرسول نفسه أو ممن أضاف إلى كلام الرسول لعدم الإيمان بما يتجاوز المعطى المادي المدرك بالحس في هذه الحالة؟

3. بل أكثر من ذلك فالمسألة المعرفية إذا سلمنا بأن نعتبرها ذات معنى فإنها قد لا تكون كذلك إلا بين المؤمنين إذا أخذناها من وجهها العملي لأن المؤمن بالرسالة يمكن أن يكون قد اعتبر بعض أعدائها قد أفسدوها-وهو معنى التحريف القصدي أو غير القصدي-فيحاول تصفيتها ليصحح عقيدته من حيث ما يترتب عليها من عبادة. فلا تكون المسألة مهمة بوصفها مسألة نظرية بل بوصفها مسألة عملية: الهدف منها هو التمييز بين ما قال الرسول وما لم يقل للعمل بما قال ورفض المنحول عليه أو لتحديد مضمون التعاليم ما منها وما ليس منها.

4. وكيفما كان الأمر ففي كل هذه الحالات لا بد أن يتقدم العلم بنظام العقد القرآني قبل طرح السؤال العقدي والمعرفي والعملي. ونظام العقد في أي نص لا يتحدد إلا من منطلقين إذا أردنا للتحديد أن يكون موضوعيا وليس مقيسا بالمواقف العقدية:

1 - إما من جنس الخبر من حيث شكله أو.

2 - من المخبر عنه من حيث مضمونه.

فإذا اعتمدنا المعيار الأول وكنا من القائلين بأن النصوص الدينية تعود إلى الجنس الأسطوري كان التمييز بين الصحيح وغير الصحيح دالا على سخف صاحبه.

وإذا اعتمدنا المعيار الثاني كان السائل مناقضا لذاته: فلا يمكن أن يدعي الباحث أنه يملك نظام موضوع الخبر من خارج خطاب الخبر. وتلك هي عاهة المتكلمين على الواقع معيارا لمحاكمة النصوص: لا يفسرون لنا كيف يصلون إلى هذا الواقع من خارج النصوص؟ أليسوا هم في الحقيقة يحاكمون نصا حول ما يسمونه واقعا بنص آخر حوله وليس نصا بواقع؟

فحامد أبو زيد - مثلا- يظن نفسه قائسا النص القرآني بما يسميه واقعا وهو في الحقيقة يقيسه بصورة الماركسية عن الواقع، بل أكثر من ذلك فهو لا يقيسه بالصورة الماركسية بعد أن أثراها أصحابها بنقد شكلها البدائي بل هو يقيسه بأكثر أشكالها بدائية حيث يفسر الرمزي بالمادي بالتناقض التام مع مفهوم الجدل من أصله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير