وأرجو من القارئ أن يتمعن النص التالى، والكلام فى أوله وفى آخره لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: "قد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وعثمان بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وعبد الله بن جحش بن رئاب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حليف بني أمية، حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم. فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، قالوا: تصادقوا، وليكتم بعضكم على بعض. فقال قائلهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء. لقد أخطأوا دين إبراهيم عليه السلام وخالفوه. ما وثنٌ يُعْبَد لا يضر ولا ينفع؟ فابتغوا لأنفسكم. فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها. فأما ورقة بن نوفل فتنصر، فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما كثيرا من أهل الكتاب. فلم يكن فيهم أعدل أمرا ولا أعدل شأنا من زيد بن عمرو بن نفيل: اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم. يوحد الله عز وجل ويخلع مَنْ دونه، ولا يأكل ذبائح قومه. باداهم بالفراق لما هم فيه.
... عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه. ثم يسجد على راحته.
... عن ابن اسحق قال: حدثني بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل أن زيدا كان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقا حقا، تعبُّدًا ورِقًّا. عذت بما عاذ به إبراهيم وهو قائم، إذ قال: أنفي لك عانٍ راغم. مهما تجشمني فإني جاشم. البِرَّ أبغي لا الخال (يقول: لا الفخر). ليس مُهَجِّرٌ كمن قال.
... عن ابن اسحق قال: حدثني هشام بن عروة قال: رواني عروة بن الزبير أن زيد بن عمرو بن نفيل قال:
أربًّا واحدا أم ألفَ ربٍّ أدينُ إذا تقسمت الأمورُ؟
عزلت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ولا صنمَيْ بني عمرو أزور
ولا غنما أدين وكان ربًّا لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت، وفي الليالي معجبات وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا كثيرًا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم فيربك منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يومًا كما يتروّح الغصن المطير
... عن ابن اسحق قال: وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا:
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له الأرض تحمل صخرًا ثقالا
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له الريح تُصْرَف حالا فحالا
... عن ابن اسحق قال: وكان الخطاب بن نفيل قد آذى زيد بن عمرو بن نفيل حتى خرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، مقابل مكة، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفائهم، فقال: لا تتركوه يدخل مكة. فكان لا يدخلها إلا سرا منهم. فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب، فأخرجوه وآذَوْه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم. وكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه. فقال زيد بن عمرو وهو يعظم حرمته على من استحل من قومه ما استحل:
اللهم إنى محرم لا أحله * وإن بيتى أوسط المحلة
عند الصفا ليس بذى مظلة
... عن ابن اسحق قال: فحُدِّثْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدِّث عن زيد بن عمرو بن نفيل: إنْ كان لأول من عاب علي الأوثان، ونهاني عنها. أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة، وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم، وكان بأعلى مكة، فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا، فقربتها له، وأنا إلام شاب، فقلت: كل من هذا الطعام أَيْ عَمِّ. قال: فلعلها، أي ابن أخي، من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم؟ فقلت: نعم. فقال: أما إنك يا ابن أخي لو سألت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح، فلا حاجة لي بها. ثم عاب على الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها، وقال: إنما هي باطل لا تضر ولا تنفع، أو كما قال. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تحسستُ بوثن منها
¥