تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

به جل شأنه تحت ضغط معذبيه من الكفار ما دام قلبه منطويا على الإيمان به جل جلاله.

أما الأشهر الحرم، التى يقول سام شمعون إنها من أوضاع الجاهلية، فلا أدرى ما المشكلة فيها؟ أكان على الإسلام أن يعارض كل ما كان قائما فى المجتمع العربى آنذاك حتى لو كان أمرا نافعا طيبا كالأشهر الحرم؟ لقد كانت تلك الأشهر فرصة يلتقط فيها العرب أنفاسهم من الاقتتال المدمر الذى كان يحتدم بينهم لأتفه الأسباب. أفإن جاء الإسلام ووجد هذا النظام الجميل (الذى من الممكن أن يكون مرجعه إلى ديانة إبراهيم وإسماعيل أو دين أحد آخر من أنبياء العرب) أيقول لذلك النظام: كلا لا نريدك، وليبق العرب يحتربون دون هوادة ودون أن تكون هناك نسمة ملطفة تخفف من حر هذا الجحيم الحربى؟ وسواء كانت الأشهر الحرم اختراعا عربيا صرفا أو كانت جزءا من تشريعات ديانة من الديانات إنها لعبقرية من عبقريات الإسلام أن يحافظ على هذا التقليد العظيم و لا يرفسه كما يصنع الأغبياء الذين لا يريدون أن يبقى شىء من النظام القديم مهما بانت صحته وجدواه. لقد كان العرب يأكلون ويشربون ويتزاوجون ويعبدون الله ويسافرون ويتاجرون ويَرْعَوْن ويزرعون ويتضايفون ويتعاونون ويتحالفون ويكرم بعضهم بعضا، فهل كان واجبا على الإسلام أن يرفض كل ذلك لا لشىء إلا لأن العرب كانوا يفعلونه؟ هنا تظهر العبقرية الإسلامية: فما كان صالحا بوضعه القائم أبقاه الإسلام كما هو، وما كان بحاجة إلى مراجعةٍ راجعه الإسلام، وما كان يمترج فيه الصواب والخطأ، والهدى والضلال، نقاه الإسلام من الخطإ ونفى عنه الضلالة واستغله بعد هذا على خير وجه. وعلى كل حال أريد أن أسأل العقلاء: ما وجه الوثنية فى الأشهر الحرم؟ أويريد الله لعباده أن يظلوا يتحاربون حتى يفنى بعضهم بعضا دون أدنى هوادة أو استراحة؟ افإن وجد الرب عباده وقد فاؤوا إلى السلام أربعة أشهر فى العام غضب عليهم وسخط واغتاظ منهم وكرههم؟ لكن لماذا؟ أهو إله حرب وعدوان لا يرتوى من الدماء؟ إن مثل هذا الإله لا يمكن أن يكون هو إله الإسلام الرحمن الرحيم.

أما الطواف حول الكعبة والسعى بين الصفا والمروة سبع مرات فهذا مأخوذ من شريعة إبراهيم، وهو من الأمور التى احتفظ بها العرب لم يغيروها رغم تطاول الزمان. ومن التنطع الفاسد الذى لا معنى له ولا طعم ولا لون ولا رائحة أن يتساءل سام شمعون: ولماذا سَبْعٌ؟ وهو سؤال لن ننتهى منه إلى الأبد مهما غيرنا العدد فجعلناه ستا أو ثمانى أو أربعا أو عشرا أو ثلاثا أو عشرين أو مائة، إذ يمكن أى متساخف تافه أن يطرح ذات السؤال: ولماذا ثلاث؟ أو لماذا أربع؟ أو لماذا عشرون؟ أو لماذا تسعون؟ أما قول يوسف على، طبقا لما أورده سام شمعون، إن السبعة رقم صوفى، فهو كلام ليوسف على لا يلزمنا فى قليل أو كثير. وأنا لا أشاركه هذا التفسير بتاتا، وأراه تكلفا لا يستند إلى أى أساس. وكل ما أفهمه هو أنه هكذا كان الطواف والسعى منذ إبراهيم عليه السلام، وسيظل هكذا إلى يوم الدين. وثم رواية تشير إلى أن هاجر حين عطش رضيعها فى تلك البرية العربية المهلكة جعلت تذهب وتجىء سبع مرات إلى أن وجدت قدم ابنها الذى كان يدقها فى الأرض من بُرَحاء العطش قد فجرت عين ماء فعنئذ توقفت وسقته واستقت، فمن هنا كان العدد سبعة فى السعى بين الصفا والمروة.

أما تفسير السماوات السبع بأنها الكواكب فهو تفسير خاطئ لم يقل به القرآن ولا قالت به الأحاديث، لأن الكواكب ليست سبعة فقط، كما أن معنى السماوات يختلف عن معنى الكواكب كما يعلم كل من لديه ذرة من عقل، إذ السماء تشمل الكواكب والنجوم والمجرات والشموس والأقمار. إن أى عامى يرفع رأسه وينظر إلى فوق يقول ببساطة متناهية: هذه هى السماء. وذلك صحيح تماما. فهل السماء بهذا المعنى تقتصر على الكواكب السبعة، إن صح أنها سبعة فقط؟ وأين تذهب الشمس والقمر والنجوم التى تتناثر هنا وهناك فى صفحة السماء؟ إن الذى أفهمه من السماوات السبع أنها سبع سماوات كسمائنا هذه، مثلما هناك أرضون سبعٌ كأرضنا هذه، ومع كل سماء أرضها. أما كيف؟ فلا أدرى. إن علم الفلك، رغم تقدمه الهائل، لا يزال فى الواقع يحبو بالقياس إلى ما تحتويه السماء من أسرار وأجرام. وقد أكون مخطئا رغم ذلك كله فى فهمى. أقول هذا حتى لا يأتى متعلل فيعتل على القرآن بتفسيرى هذا الذى لا يزيد عن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير