تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كونه مجرد اجتهاد بشرى.

وبالنسبة إلى الفارق الزمنى بين بناء الكعبة والمسجد الأقصى وأنه أربعون سنة كما جاء فى بعض الروايات فى البخارى، على حين أن الفارق بينهما هو مئات السنين كما علّق شمعون، فلا أرى أى موجب للقلق، إذ البخارى ليس قرآنا، ونحن غير مأمورين بتصديق كل ما جاء فيه عميانيًّا، بل علينا أن نعرضه على القرآن والمعارف اليقينية كى نتبين أنه لا يصادم أيا منهما. والبخارى وإخوانه أصحاب المجاميع الحديثية عباقرة بكل يقين، ولا يوجد لهم نظير فى أية ثقافة بشرية، إلا أنهم رغم عبقريتهم السامقة يَبْقَوْن بشرا فى نهاية المطاف يصيبون ويخطئون. ولا موجب من ثم للقلق، فالإسلام أكبر من البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن داود وابن حنيل ومالك وسائر جامعى الحديث الشريف، رضى الله عنهم أجمعين.

وهذا لو كان المسجد الحرام قد وضعه إبراهيم أول واحد، وكان المسجد الأقصى هو هيكل بيت المقدس وأن سليمان هو أول من بناه، فهل هناك من يقطع أن المسجد الأقصى فى الحديث هو هيكل بيت المقدس الذى بناه سليمان عليه السلام وأن إبراهيم هو أول من بنى البيت الحرام؟ لقد سكت الحديث عن هذا وذاك، ومن ثم لا يجوز أن نخطِّئ الحديث بناء على ما نتصوره نحن. فلربما قصد النبى بالمسجد الأقصى شيئا آخر غير ما نظن. كما أن من الممكن جدا ألا يكون إبراهيم هو واضع المسجد الحرام أول واحد، أو لا يكون سليمان هو أو ل بناة الأقصى.

هذا ما خطر لى، ثم بدا لى أن اراجع ما قاله علماؤنا فى هذا الموضوع فوجدت على سبيل المثال هذا التوجيه فى "فتح البارى بشرح صحيح البخارى": " قال ابن الجوزي: فيه إشكال، لأن إبراهيم بنى الكعبة، وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة ... ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح "أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا" ... الحديث. وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة "أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء بيت المقدس، ثم أوحى الله إليه: إني لأقضي بناءه على يد سليمان". وفي الحديث قصة، قال: وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضْع أساس المسجد، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض. فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن. وكذا قال القرطبي إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما. قلت: وقد مشى ابن حبان في "صحيحه" على ظاهر هذا الحديث فقال: في هذا الخبر رَدٌّ على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة. ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة، وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت وبين موسى عليه السلام. ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة. وقد تعقب الحافظُ الضياءَ بنحو ما أجاب به ابن الجوزي. وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه ... وقد رأيت لغيره أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام. وقيل: الملائكة وقيل: سام بن نوح عليه السلام. وقيل: يعقوب عليه السلام. فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدا كما وقع في الكعبة، وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلا وتأسيسا، ومن داود تجديدًا لذلك وابتداءَ بناءٍ، فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام. لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي أوجه. وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال إن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين، فذكر ابن هشام في "كتاب التيجان" أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه. وبناء آدم للبيت مشهور. وقد تقدم قريبا حديث عبد الله بن عمرو أن البيت رُفِع زمنَ الطوفان حتى بوّأه الله لإبراهيم. وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم لما هبط، ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فقال الله له: يا آدم، إني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير