تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على أن عقيدة الثالوث معروفة فى كثير من الديانات الوثنية القديمة، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم فى الآية الثلاثين من سورة "التوبة": "وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ". ومن هذه الثواليث ثالوث ميترا وفارونا وأريامان فى الهند، وثالوث أهورامزدا وميترا وأناهيا فى فارس، وثالوث سين وشمش وعشتار فى بابل، وثالوث جوبيتر وجونون ومنيرفا لدى الرومان. كما اختيرت للأعياد النصرانية نفس مواقيت الأعياد الوثنية القديمة المناظِرة مع تبنِّى تقاليدها وشعائرها، مثلما هو الحال فى ميلاد المسيح، فقد جُعِل فى يوم الخامس والعشرين من ديسمبر، وهو ذات اليوم الذى درج الوثنيون على الاحتفال فيه بالعيد الشمسى حيث يتم الانقلاب الشمسى الشتائى فى التقويم الرومانى القديم، وكذلك اليوم الذى كان الوثنيون يحيون فيه ذكرى مولد ميترا أيضا. وبالمثل وقَّت النصارى موت المسيح وصعوده إلى السماء بالفترة الزمنية التى يحتفلون فيها بموت الإله أتيس.

وهناك قُدّاس التناول الذى يأكل فيه النصارى الخبز من يد الكاهن على أنه جسد المسيح، ويحتسون الخمر معتقدين أنهم يشربون دمه، ذلك القداس الذى يحاكى ما عند الوثنيين القدماء كما لاحظ العالم النفسانى السويسرى الشهير كارل يونج. أما عيد الغطاس فمرجعه أن الكنيسة أرادت أن تستبدله بعيد الماء الوثنى الذى كان يحتفَل به فى ذلك اليوم سواء فى عبادة ديونيزوس أو فى عبادة زُحَل أو فى عبادة إيزيس. كذلك تكثر فى الوثنيات القديمة قصص الملوك والزعماء ذوى الأصل الإلهى كما هو الحال مع كثير من أباطرة الصين وملوك سومر وملوك الحيثيين والفراعنة والإسكندر الأكبر، وبعض الحكماء والأبطال كابن بتاح وابن رع وابن توت فى مصر، وهرقل فى اليونان. وقد توقف العلماء لدن رؤيا يوحنا اللاهوتى ورأوا فيها انعكاسا لكير من الأفكار الوثنية ... وهكذا. ويؤكد الفيلسوف الفرنسى إرنست رينان أن الدراسات التاريخية للمسيحية وأصولها تثبت أن كل ما ليس له أصل فى الإنجيل مقتبس من أسرار الوثنية.

ويجد القراء الكرام تفصيلات كثيرة عن هذه المشابهات والاستعارات فى كتاب "الأصول الوثنية للمسيحية" لمؤلفيه أندريه نايتون وإدجار ويند وكارل جوستاف يونج، وهو من ترجمة سميرة عزمى الزين، ومنشورات المعهدالدولى للدراسات الإنسانية. وهذا كتاب واحد من كتب لا حصر لها تناولت هذاالموضوع الذى لم يَعُدْ ثَمَّ أى خلاف بشأنه بين أهل العلم والتحقيق.

ولنتريث قليلا مع التثليث بصفة خاصة لأنه هو الأساس الذى تقوم عليه النصرانية الحالية بوجه عام وتنفرد به رغم خلوّ الأديان السماوية منه جميعها خلوا تاما، فى حين أنه موجود فى كثير من الأديان الوثنية كما سوف نرى. وقد تناولت "الموسوعة العربية العالمية" مثلا مفهوم "التثليث"، فكتب محرر المادة المخصصة لذلك أن "التثليث عند النصارى يُقصد به الاعتقاد بوجود ثلاثة أقانيم (شخوص مقدسة، مفردها "أقنوم") في اللاهوت، ويسمى ذلك: الثالوث الأقدس، ويُعَدّ ذلك معتقدًا نصرانيًّا مركزيًّا يزعم بأن الرب هو في الجوهر واحد لكنه ذو أقانيم (أشخاص) ثلاثة، تعالى الله عن ذلك ـ وهذه الأقانيم هي الأب والابن والروح القدس. وهذا المفهوم ليس مقبولا من وجهة نظر المسلمين وقطاعات كبيرة من النصارى أيضًا.

والمعروف أنه لم يرد تعبير التثليث أو الثالوث في الأناجيل، إلا أن أتباع الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانت يتمسكون بهذه التعاليم ويذهبون إلى أنها مطابقة لنصوص الإنجيل. وكان هذا المفهوم مثار جدل قبل انعقاد مجمعيْ نيقية والقسطنطينية. واحتدم هذا الجدال في الشرق على وجه الخصوص، وكان جزاء الذين رفضوا هذه الفكرة أن حكمت عليهم الكنيسة بالهرطقة (الابتداع)، وكان من جملة المعارضين الأبيونيون، الذين تمسكوا بشدةٍ بالقول إن المسيح إنسان كسائر البشر، وكذلك السابيليون الذين كانوا يعتقدون أن الأب والابن والروح القدس إنما هي صور مختلفة أعلن بها الله نفسه للناس، والأيوسيون الذين كانوا يعتقدون أن الابن ليس أزليًّا كالأب بل هو مخلوق منه قبل العالم، ولذلك هو دون الأب وخاضع له، والمكدونيون الذين أنكروا كون الروح القدس أقنومًا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير