تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمفكرين والصحفيين والسفراء والساسة والأدباء والقساوسة والأساقفة وأساتذة الجامعات والفنانين ومن إليهم. والمسلمون لا يطنطنون بذلك على عكس ما يفعله قساوسة النصارى، الذين يرقصون ويتصايحون كلما وقع فى أيديهم بين الحين والحين البعيد صيد هزيل لا يساوى ثمنه، فهم فى هذا كالفقير الذى لا يشتمل جيبه إلا على عدة ملاليم، ومع هذا تراه يصلصل بها طول النهار رغبة منه فى إيهام الناس أن معه مالا، على حين تجد الغنى المتخم بالأموال لا يصنع شيئا من ذلك، وبخاصة أن أمواله من ورق البنكنوت الذى لا يصدر صوتا، وليست من الملاليم التى يشخشخ بها الأطفال!

تقول ريهام إنها، بينما كانت تصلى ذات مرة، رفعت بصرها إلى السماء، فرآها أبوها وأنكر ذلك عليها إنكارا شديدا وحذَّرها مَغَبَّةَ ذلك التصرف. ولما حاولت أن تعرف السبب فى حكمة النهى عن هذا أجابها قائلا: لا تناقشى، بل عليك أن تنفّذى فقط. فكان ذلك، كما تقول، أول حاجز ينبنى بينها وبين ربنا، الذى شعرت أن هناك مسافة كبيرة تفصله عنها. ولا أدرى كيف يشكّل مثل هذا الأمر حاجزا بيننا وبين ربنا، وهو الذى يقول: "وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ"، و"نحن أقرب إليه من حبل الوريد"؟ وإذا كان البشر يتركون دينهم من أجل مثل ذلك الأمر فالثمرة الطبيعية لهذا هى أن يغير الناس أديانهم كل يوم بل كل دقيقة.

وثم فعلا حديث للنبى يحذر فيه عليه السلام من خطف البصر بعض أقوام كانوا يرفعون وجوههم نحو السماء فى صلاتهم، بَيْدَ أنى لا أحسب هذا التهديد قاعدة عامة. ولننظر أولا فى نص الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟ " وأنه "اشتد قوله في ذلك فقال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم". وقد قرأته البنت المتنصرة من ورقة أعدوها لها فى يدها، ولم تستطع أن تقرأه قراءة صحيحة رغم بساطته التامة، وهو ما يعطينا فكرة عن محدودية ثقافتها وضحالة شخصيتها رغم ما كانوا قد شحنوها به ضد الإسلام ورددته فى الحلقة بسذاجة عجيبة.

والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء فى حديث آخر، كان "إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ "، وهو من أدبه العالى صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط"، "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلقِينا المشركين (أى وقعت بين المسلمين وبينهم حرب)، فأسرع الناس (أى المسلمون) في القتل حتى قتلوا الذرية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى قتلوا الذرية؟ ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية. فقال رجل: يا رسول الله، أو ليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال: أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نَسَمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها"، "ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أترخَّص فيها؟ والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده"، "ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته؟ طلقتُكِ! راجعتُكِ! طلقتُكِ! راجعتُكِ! ". ومنه أيضا "أن أم هانئ بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها (لاحظ معنى التبرج هنا وأنه يعنى ظهور قرطيها لا غير)، فقال لها عمر بن الخطاب: اعملي، فإن محمدا لا يغني عنك شيئا. فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وإن شفاعتي تنال حاء وحَكَم؟ وحاء وحَكَم قبيلتان".

والملاحظ فى حديثنا الذى نحن بصدده أن رسول الله لم يصدر حكما عاما، بل قَصَر التحذير على قوم بعينهم كانوا يرفعون أبصارهم فى ذلك الوقت إلى السماء فى صلاتهم. ولو كان يقصد التعميم لقال مثلا: "ألا من رفع بصره إلى الصلاة وهو يصلى خطف الله بصره مثلما فعل فى الحديث التالى: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط إذ بعد أن ذكر ما يصنعه بعض الناس تركهم وعمم الحكم مستخدما اسم الموصول: "مَنْ" الدال على ذلك. ومثله الحديث الآخر الذى استعمل فيه ضمير المخاطبين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير