تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للإشارة إلى أن الحكم لا يقتصر على من يفعل الأمر الذى حذر منه صلى الله عليه وسلم، بل يشمل جميع المسلمين، ومن ثم نراه يتحول عمن يقتل ذرارى الكافرين دون سبب ويوجه كلامه نهيا إلى كل مسلم مستخدما ضمير المخاطبين الشامل لأتباعه جميعا: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى قتلوا الذرية؟ ألا لا تقتلوا الذرية! ألا لا تقتلوا الذرية! ". والذى أفهمه من الحديث أنه ربما كان هناك قوم من المنافقين يصنعون ذلك استهزاء بالصلاة مثلا أو انصرافا عنها وإظهارا لاحتقارهم لها ونشرا للفتنة والاضطراب بين المسلمين، فقال النبى فى حقهم ما قال، وإلا فما أكثر ما قد ينظر المصلون نحو السماء ويكررون ذلك ثم لا يقع لهم شىء مما حذر منه الرسول، ومنهم تلك البنت المتنصرة التى من الواضح أنه لم يخطف الله بصرها، اللهم إلا إذا كانوا قد لقنوها هذا الكلام لتقوله فى المقابلة المرنائية كى تحدث بلبلة وفتنة بين عوامّ المسلمين الذين لا يستطيعون تمحيص مثل تلك الأمور دون أن يكون قد سبق منها رَفْع لبصرها إلى السماء فى صلاتها أيام كانت مسلمة تصلى. ومن هنا نراه صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث الذات يستمر فى استخدام ضمير الغائبين للدلالة على أن الموضوع محصور فى ذات الأقوام الذين وردت الإشارة إليهم فى ذلك الحديث: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟ فاشتد قوله في ذلك فقال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم". وليس معنى ذلك أنه لا بأس على الإطلاق على من يرفع نظره نحو السماء فى صلاته، إذ من شأن ذلك التصرف أن ينصرف ذهنه عن التركيز فى العبادة، وهو ما لا يليق بمن يقف بين يدى ربه سبحانه وتعالى. فهى مسألة أدب ولياقة أكثر منها أى شىء آخر.

وسبب آخر يجعلنى أستبعد أن يكون ذلك حكما عاما فى كل من يرفع عينيه نحو السماء خلال صلاته أنه لا يوجد تناسب بين الخطإ والعقوبة إذا ما أخذنا الأمور على ظاهرها. وإذا كان الإسلام قد ترك من لا يصلى أصلا بل من لا يصلى ولا يزكى ولا يصوم ولا يحج دون أن يحذره تلك العقوبة الدنيوية ولا ما هو أقل منها، بل ترك الكافر ذاته، والكُفْر هو ما هو؟، من غير أن يتهدده بشىء من هذا فى الدنيا بتة، فكيف يمكن أن يكون هذا العقاب الشنيع هو العقاب الإلهى الدنيوى الخاص بكل من يرفع بصره فى الصلاة مجرد رفع نحو السماء؟

صحيح أن هناك نصا فى القرآن يتحدث عن العمى العقابى بالمعنى المادى فيما هو واضح، إلا أنه خاص بالكفار المعاندين لا بالنظر إلى السماء ولا بأى شىء آخر دون الكفر، كما أنه لا يقع هنا على الأرض مثل التهديد المذكور فى الحديث الشريف الذى بين أيدينا، بل عند الحشر. يقول سبحانه وتعالى فى سورة "الأسراء": وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) ". أما سائر ما قيل عن العمى فى القرآن ضمن سياق الزِّرَاية فخاصٌّ بالعمى المعنوى: عمى القلب واستغلاق العقل عن دعوة الحق وتصلب الرقبة والمعاندة الغبية، والتمرد والكفر لوجه التمرد والكفر، ومن ذلك: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) " (البقرة)، "وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) " (الإسراء)، "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) " (الشورى). والنص التالى واضح الدلالة تماما على أن العمى فى القرآن حين يُذْكَر ضمن سياق الزراية إنما هو العمى المعنوى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير