تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقالت البنت المتنصرة أيضا إنها، منذ وقت طويل، كانت تشفق على النصارى. لماذا؟ هكذا سألها مقدم البرنامج، فكان جوابها أن فى القرآن آية تقول عن المسيح واليهود: "وما قتلوه وما صلبوه، ولكنْ شُبِّه لهم"، فكيف يترك الله البشر طوال كل تلك القرون فى عماية من حقيقة الأمر يظنون أن المصلوب المقتول هو عيسى، على حين أنه كان شخصا آخر؟ ثم ما ذنب هذا الشخص الآخر حتى يُصْلَب ويُقْتَل دون ذنب جناه؟ وكما هو واضح هنا أيضا فليست هناك أية علاقة بين الأمرين، إذ إن أقصى ما يمكن أن يقال هو أن ثمة خطأ تاريخيا فى الآية. أما أن يقال إنها تبعث على الشفقة فى النصارى فهو ما لا يستطيع أى عاقل أن يفهمه أو يقبله.

وفضلا عن هذا فمن الواضح أنها تظن أن النصارى المثلثين هم النصارى الوحيدون فلا نصارى سواهم، وهو جهل سخيف، إذ النصارى الحقيقيون الأصلاء هم الذين يعتقدون أن عيسى هو عبد الله ورسوله ليس غير، إلا أنه سرعان ما ظهرت، بعد توفى الله نبيه عليه السلام إليه، فرقة وثنية زعيمها بولس اليهودى الأصل تدعى أنه عليه السلام ابن الرب، ووقعت بسبب ذلك اختلافات حادة بين الفريقين، وعُقِدت بعد ذلك بزمن طويل عدة مجامع مقدسة لمناقشة تلك القضية كانت الكفة فيها فى مبدإ الأمر لصالح المؤمنين الصادقين، لكن المؤامرات وتدخلات بعض الملوك الذين تلطخت عقولهم وقلوبهم بحمأة الوثنية قد حولت الدفة لصالح المثلِّثِين. ومع هذا فلا يزال هناك نصارى كثيرون جدا حتى يوم الناس هذا لا يؤمنون بعيسى إلا بوصفه نبيا لا يزيد عن ذلك شعرة واحدة. على أن الغالبية الساحقة من الغربيين النصارى اسما، وكثيرا جدا من أمثالهم من غير الغربيين، لا يعتقدون فى صحة النصرانية أصلا. ولقد كان ينبغى أن يساعد هذا تلك المسكينة على فهم الأمور فهما أوضح وأحجى، إلا أن الرعونة والسذاجة والجهل من ناحية، والخبث والدهاء والكذب من الناحية الأخرى، قد فعلت فعلها فى عقل تلك البنت التى من الواضح أن فى مسألتها شيئا خفيًّا لم يتضح بعد يمكن أن يفسر الأمر على حقيقته.

هذه واحدة، والثانية هى أن الكتاب المقدس وما فيه من قصص ليس معصوما من الخطإ. ولقد بلغ الأمر المدى الذى عدّل أصحابه اعتقادهم فيه فجعلوا يقولون إنه من حيث العقائد والتشريعات وما إلى ذلك لا يعرف سوى الصواب، بخلاف ما يتضمنه من مسائل التاريخ والجغرافية والحساب وغيرها من مكتسبات المعرفة البشرية، فهذه قابلة للخطإ لأنها تعكس المعارف المحدودة لمؤلفى ذلك الكتاب. والحق أن الكتاب المقدس يعجّ بالأخطاء من كل لون وصنف حتى فيما يتصل بالعقيدة والأخلاق والتشريعات: فمثلا هل يمكن أن يكون آدم ابن الله، أو أن يندم الله أو يحقد على الإنسان أو يكون بحاجة إلى أن يستريح؟ ومع هذا فالكتاب المقدس ينسب إليه سبحانه هذا كله. ترى هل يصح أن يقول كاتب سفر الخروج فى موضع إن ابنة فرعون انتشلت تابوت موسى الرضيع من الماء وإنها سمته بهذا الاسم لهذا السبب، وفى موضع آخر إن أخت موسى ظلت تحمل تابوته إلى أن وصلت قبالة قصر فرعون فوضعته على الشط بين الحلفاء، ومن ثم لم يوضع فى النهر بتاتا لا فى البداية ولا فى النهاية؟ ومع هذا فقد وقع الكاتب فى ذلك التناقض المضحك. ترى هل من الممكن عقلا أو واقعا أن يكون أصغر أبناء الرجل أكبر من أبيه بعامين؟ ومع هذا يقول مؤلفو الكتاب المقدس ذلك الكلام الأبله عن أحد الملوك وابنه! هل تعرف المسكينة أن مؤلفى الكتاب المقدس لم يتركوا تقريبا نبيا ولا رسولا إلا لوثوا سمعته وشوهوا سيرته: فنسبوا إلى سيدنا إبراهيم الدياثة، وإلى لوط الزنا بالمحارم، وإلى يعقوب الكذب والحسد والغش، وإلى موسى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وإلى هارون صُنْع العجل ليعبده بنو إسرائيل ويرقصوا حوله عرايا، وإلى داود الزنا بامرأة قائد جيشه وجاره ثم اغتياله، وإلى سليمان مساعدة زوجاته على ممارسة الوثنية وعبادة الأصنام ... إلخ؟ هل قرأت البنت الرعناء نسب السيد المسيح فى الأناجيل ورأت التناقضات العجيبة بين ما قاله متى وما قاله لوقا؟ هل اطلعت على قصة الصلب ذاتها فى الأناجيل وقارنت بعضها ببعض وتنبهت إلى ما تنبه له كل الدارسين من نصارى وغيرهم من أنها قصة مضطربة لا تستقيم أمام العقل أبدا جَرّاء الاختلافات الحادة بين كل تفصيلة ونظيرتها بين تلك الأناجيل؟ هذا،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير