تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يؤكد القرآن أنه "لا إكراه فى الدين"؟ ألا نقرأ فى القرآن أنه "من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر"؟ أيوجد شىء من هذا فى النصرانية التى يقول قساوستها إن واجب الإنسان أن يؤمن دون تفكير أو مناقشة، وإن أسرار النصرانية هى أمور فوق العقل لا يمكن فهمهما، فضلا عن الجدال فيها، فضلا عن إنكارها ورفضها؟ أليس عندهم أن الدين شىء، والعقل شىء آخر، وأن مجاليهما مختلفان بل متناقضان؟ ألم يبين لنا رسول الإسلام أن المجتهد الذى بذل ما فى وسعه تفكيرا وتنفيذا ثم أخطأ ولم يصب الغاية مأجور؟ فأَنَّى يجد الواحد منا شيئا من هذا خارج نطاق الإسلام؟

على أن المسألة لمّا تتم فصولا، فلدينا ما حدث ليهوذا بعد صلب المسيح حسبما كتب مؤلفو الأناجيل. ذلك أننا، بعد صلب المسيح طبقا لما يقول القوم وندم يهوذا على ما ارتكب من غدر وخيانة، نجد هاتين الروايتبن: الأولى، وهى موجودة لدى كتاب الأناجيل، تقول إنه ذهب فردَّ الثلاثين فضة التى كان قد أخذها من الكهنة لقاء خيانته وغدره بمعلمه، ثم ثنّى بشنق نفسه: "27 - 1وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، 2فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي. 3حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ،نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ 4قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئا. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! 5فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ،ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. 6فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَم. 7فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. 8لِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ حَقْلَ الدَّم إِلَى هَذَا الْيَوْمِ" (متى/ 27، وبقية الأناجيل تنحو نفس المنحى)، أما الرواية الثانية فنعثر عليها فى "أعمال الرسل"، وفيها أنه قد انشق بطنه فى الحقل ولم ينتحر: "18فَإِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. 19وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ حَقْلَ دَمٍ). 20لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آَخَرُ" (أعمال الرسل/ 1). والآن أترك القارئ يحاول أن يزيل هذا التناقض براحته! المهم أنى قلت ما عندى، والسلام!

ومما تناولته البنت المضلَّلة التى تردد كالببغاء ما تسمعه من القساوسة دون فهم رغم ظهور عوراته لكل ذى عينين، وإن كانت العينان لا تصنعان شيئا لمن عَمِىَ قلبه وانطمس عقله وزاغت بصيرته كما يبين لنا القرآن الكريم، موضوع العلاقة بين البشر والله سبحانه وتعالى، إذ زعمت أنها فى الإسلام تقوم على الخوف، أما فى النصرانية فعلى المحبة، إذ هو يحبهم ولا يعاقبهم. وهى تقصد ما زرعوه فى ذهنها الضيق المتهافت من أن عيسى عليه الصلاة والسلام نزل من علياء ربوبيته وقدم نفسه ضحية على الصليب فداء للبشرية من خطيئتها الأولى كما يقولون. فلنتأمل إذن هذا الأمر بهدوء لنرى أبعاده وإلام تأخذنا: لن أقف طويلا أمام ما أكده القرآن بصدد عصيان آدم وحواء فى الجنة الأولى وكيف تابا فتاب الله عليهما فى الحال وكأن شيئا لم يكن، وأصبحنا أولاد اليوم لا الأمس، على عكس النصرانية التى تبدئ وتعيد فى هذه المسألة لا تكل ولا تمل مع أنها قد حُسِمَت من يومهما وانتهى الأمر، وكان الله يحب المحسنين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير