يقول سبحانه وتعالى: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) " (البقرة)، "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) " (طه).
فبالله أي الأمرين يدل على حب الله للبشر؟ وما الذى دفع الرب إلى هذا التصرف المستحيل لا المجنون فقط؟ ومن أجبره على هذا يا ترى؟ وكيف يقتل الرب نفسه؟ ومن كان يصرّف أمور الكون طوال موته؟ وهل الرب يموت يا إلهى؟ إنها أشياء تبعث على الجنون! ثم هل رأيتم محبا من الناس يتصرف على هذا النحو الذى ينسبه النصارى المثلِّثون للرب إلا إذا كان بعقله خلل؟ لن أسوق هنا إلا شاهدين اثنين لا غير، وهما كُثَيِّر عَزَّة الشاعر الأموى المعروف، وفان جوخ الرسام الهولندى الشهير: فأما كثير فقد تمنى، من فرط حبه لعَزَّة، التى تزوجت من غيره، أن يذهب إلى مضارب قبيلتها وينزل ضيفا عليها، ثم تضيع ناقته وتشل رجله حتى لا يستطيع العودة إلى دياره فيظل بجوار حبيبة الفؤاد. يقول فى تائيته الرائعة التى يجد القارئ تحليلا مفصلا لها فى كتابى: "فى الشعر الإسلامى والأموى- تحليل وتذوق":
خليليّ، هذا رَسْمُ عَزَّةَ، فاعقلا * قَلُوصَيْكما ثم انظرا حيث حَلَّتِ
وما كنت أدري قبل عزةَ ما الهوى * ولا مُوجِعات الحزن حتى تَوَلَّتِ
فقد حَلَفَتْ جَهْدًا بما نحرتْ له * قريشٌ غداة المأزِمَيْن وصَلَّتِ
أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت * بفَيْفا غزالٍ رُفْقَةٌ وأَهَلَّتِ
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها * كناذرةٍ نَذْرًا فأَوْفَتْ وحُلَّتِ
فقلت لها: يا عزّ، كل مصيبةٍ * إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفس ذَلَّتِ
ولم يلق إنسانٌ من الحب مَيْعَةًً * تَعُمّ ولا غَمّاءَ إلا تجلَّتِ
كأني أنادي صخرة حين أعرضت* من الصُّمِّ لو تمشي بها العُصْمُ زَلَّتِ
صَفُوحًا فما تلقاك إلا بخيلةً * فمَنْ مَلَّ منها ذلك الوصلَ مَلَّتِ
أباحت حِمًى لم يَرْعَه الناس قبلها * وحَلّت تِلاعًا لم تكن قبل حُلَّتِ
فليت قَلُوصي عند عزة قُيِّدَتْ * بحبلٍ ضعيفٍ عزّ منها فضَلَّتِ
وغودر في الحي المقيمين رَحْلُها * وكان لها باغٍ سواي فبلّتِ
وكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ* ورجلٍ رمى فيها الزمان فشَلَّتِ
وكنت كذات الظّلع لما تحاملت * على ظلعها عند العِثار استقلَّتِ
أريد الثَّواء عندها وأظنها * إذا ما أطلنا عندها المكث مَلَّتِ
فما أنصفت: أما النساءَ فبغّضَتْ * إليّ، وأمّا بالنوال فضَنَّتِ
يكلِّفها الغيرانُ شتمي، وما بها * هواني، ولكن للمَلِيك استذلّتِ
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامِرٍ * لعَزَّةَ من أعراضنا ما اسْتَحَلَّتِ
¥