تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما ما قاله الرازى فى هذا الموضوع فها هو ذا: "ذكر المفسرون في تفسير ذلك القبول الحسن (يقصد القبول المذكور فى سورة "آل عمران" حين ابتهلت أم مريم إلى الله أن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم) وجوهًا: الوجه الأول: أنه تعالى عصمها وعصم ولدها عيسى عليه السلام من مس الشيطان. روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود يُولَد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهلّ صارخًا من مس الشيطان إلا مريم وابنها ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ ?لشَّيْطَـ?نِ الرَّجِيمِ". طعن القاضي في هذا الخبر وقال: "إنه خَبَرُ واحدٍ على خلاف الدليل، فوجَب ردُّه، وإنما قلنا إنه على خلاف الدليل لوجوهٍ أحدُها: أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر، والصبي ليس كذلك. والثاني: أن الشيطان لو تمكن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وإفساد أحوالهم. والثالث: لِمَ خُصَّ بهذا الاستثناء مريمُ وعيسى عليهما السلام دون سائر الأنبياء عليهم السلام؟ الرابع: أن ذلك النخس لو وُجِد بَقِيَ أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء، فلما لم يكن كذلك علمنا بطلانه". واعلم أن هذه الوجوه محتملة، وبأمثالها لا يجوز دفع الخبر، والله أعلم". ومن هذا يتبين لنا بأجلى بيان أن الكذاب لم يقطع عادته فى الكذب والتدليس، إذ لم يقل الرازى إن عيسى عليه السلام قد مُسِح من الأوزار والخطايا، بل ساق كلام المفسرين القائلين بذلك، لكن بإيجاز شديد، أما من نَفَوْا هذا فقد فصَّل كلامهم تفصيلا. ثم اكتفى بالقول بأن وجوه الاعتراض التى اعترض بها هؤلاء ليست قاطعة فى النفى، وإن كان من الممكن رغم ذلك أن تكون صحيحة. أى أنه لم يَنْفِ ولم يُثْبِتْ، بل اكتفى بإيراد الرأيين. وأقصى ما يمكن نسبته له من الرأى فى هذه القضية أن الأدلة التى احتج بها القاضى (عبد الجبار المعتزلى) لا تحسم الأمر. وهذا كل ما هنالك.

ثم إنى أتساءل: وهل الله يولد أصلا حتى تظن البنت المسكينة أن عيسى إله؟ إنه لأمر لا يقبله العقل. ثم ما داموا يستشهدون بالقرآن فليقرأوه ويفهموه كيما ينبغى أن ُيقْرَأ ويُفْهَم. إن مريم، فى سورة "آل عمران"، تبتهل إلى الله أن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم. ومعنى هذا أن مريم وذريتها، وذريتها هى المسيح عليه السلام، بحاجة إلى الحماية من الشيطان. فهل يقال عن الله إنه محتاج إلى من يحميه من الشيطان الرجيم؟ ومن يحميه؟ إنه هو الله! أى أن الله سيحمى الله من الشيطان الذى خلقه الله! فتأمل واعجب من هذا المنطق الظريف!

كذلك بَدَرَ من البنت الرعناء، لَدُنْ كلامها عن تجربتها الأثيمة الكافرة فى الانتقال من دين التوحيد إلى دين الوثنية والتثليث، كلام تعيب به الإسلام لتفرقته بين الذكر والأنثى لصالح الذكر بطبيعة الحال كما يقولون. فكيف نسيت أن النبى فضَّل الأم على الأب، وهو ذكر، وهى أنثى؟ وذلك حين سأله أحدهم أربع مراتٍ دِرَاكًا: مَنْ أَحَقُّ الناس بصُحْبَتى يا رسول الله؟ فقال له: أمك، ثم أمك، ثم أمك: ثلاث مرات، ثم فى الرابعة فقط قال: أبوك. وكيف فاتها أنه فى الوقت الذى جعل النبى فيه تربية البنت وتزويجها طريقا مشرعا إلى الجنة أكيدا لا نجده يقول شيئا مثل هذا بخصوص الأولاد؟ وكيف لم تتنبه إلى مغزى توريث الإناث كما يُوَرَّث الذكور مع أن الإناث مُعْفَيَات من واجب الإنفاق فى البيت، سواء كان بيت الأب أو الزوج أو الابن أو الأخ؟ وكيف تجاهلت ما هو معروف للقاصى والدانى من أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفض تماما أن تتزوج الفتاة أو المرأة ممن لا تحبّ؟ ومن أقواله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكم خَيْرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". وكان "آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم أنْ قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير