تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن للأناجيل فى هذه القضية قولا آخر، إذ تذكر أن الشيطان تعرَّض لعيسى عليه السلام وقاده من قمة الجبل إلى سطح الهيكل يحاول إغواءه وإضلاله ودَفْعه إلى الشرك بالله، والعياذ بالله، حين أمره أن يسجد له. ولو كان الأمر كما يَدَّعِى الحمقى لما حدث شىء من هذا. إذن فالشيطان يتعرض له عليه السلام كما يتعرض لسواه من البشر. هذه واحدة، أما الثانية فإن عبارة "الشيطان الرجيم" تعنى: اللعين المطرود من رحمة الله. فماذا يقول النصارى فى أن كتاب العهد الجديد يقول بحلول اللعنة عليه؟ ألا يقولون بصَلْبه؟ ألا يقول العهد القديم بأن من عُلِّقَ على خشبة، أى على صليب، فهو ملعون؟ ألا يقول بولس بصريح العبارة إن عيسى قد تحمل اللعن نيابة عن البشرية؟ إذن فعيسى، حسب اعتقادات القوم، لم يتعرض لمحاولة الشيطان إغواءه واستفزازه إلى الشرك فقط، بل لقد تحمل اللعنات التى فى الأرض جميعا؟ وفوق ذلك ألم يُسْمِع عيسى أمه قارص القول فى أكثر من مناسبة؟ أهذا يليق بإنسان لديه ذرة من الشعور بحق الأم على ابنها حتى ولو كانت كافرة؟ ألم يأمر عيسى أحد أتباعه أن يذهب إلى إحدى الحظائر ويسرق الحمار الموجود هناك كى يركبه عند دخوله أورشليم؟ فكيف يصنف القوم مثل ذلك التصرف؟ وفى أية خانة يضعونه؟ ألم يلعن شجرة التين لأنها لم تكن مثمرة، وكان هو جائعا يريد شيئا يُسْكِت عنه صراخ الجوع وقرصاته؟ فما ذنب التينة المسكينة إذا كنا فى غير موسم التين؟ هل كان عليها أن تضرب الأرض فتُطْلِع تينا؟ ألم يَسُبَّ بعض حوارييه المقربين ناعتا إياه بـ"الشيطان" مرة، وبـ"المنافق" مرة أخرى؟ ألم يستذل الكنعانية المسكينة المسحوقة حتى قبلت تشبيهه إياها بالكلاب، فعندئذ، وعندئذ فقط، رضى أن يمد لها يد العون، تلك اليد التى لم تكن لتكلفه شيئا؟ ألم يضعف حين اقترب موعد الصلب معبرا عن النكسار روحه وانهيار معنوياته؟ ألم ينس المهمة التى يقول النصارى إنه أتى إلى العالم من أجل أدائها، ألا وهى قبول الصلب والقتل، فأخذ يجأر إلى السماء أن تسرع لمعونته وإعفائه من شرب تلك الكأس المرة؟ أَوَكُلُّ هذا، ويزعم الزاعمون أنه كان ممسوحا من الأوزار؟ وبالمناسبة فلسنا نحن الذين نقول هذا بل هم. وعلى الناحية الأخرى ينبغى ألا ننسى الحديثَ الذى مر آنفا، ويقول فيه الرسول الكريم عليه السلام: "ما منكم أحد إلا وله شيطان. قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَم".

كذلك ذكر إنجيل متى ولوقا أن عيسى بن مريم عليه السلام مولود من صُلْب يهوذا الزانى الوقح، وداود القاتل الزانى، وسليمان صاحب نشيد الإنشاد الذى بلغ فى العُهْر والفُحْش والعُرْى مبلغا غير متصَوَّر فى "أدب الفِرَاش"، ومن رَحِم ثامار التى خططت واجترحت عن عمد وسبق إصرارٍ زنا المحارم، والتى قالت عنها "دائرة المعارف الكتابية": "ثامار زوجة عِير بكر يهوذا بن يعقوب (تك 38: 6ــ 30)، وكان عِير شريرا في عيني الرب فأماته الرب، فتزوجت حسب العادة المتبعة من أخيه أُونان، الذي لم يشأ أن ينجب منها نسلا لأخيه، فقَبُحَ ذلك في عيني الرب فأماته أيضا. فقال لها يهوذا أن تقعد أرملة في بيت أبيها حتى يكبر شِيلة ابنه الثالث. لكن يهوذا لم يبرّ بوعده، فقد كبر شيلة، ولكنه لم يزوجها منه. فخلعت ثياب ترملها وتغطت ببرقع وجلست في طريق يهوذا في مدخل عينايم التي على طريق تمنة، فرآها يهوذا وحسبها زانية لأنها كانت متنكرة في ثياب زانية من زواني العبادات الوثنية، ودخل عليها فحبلت منه. ولما نما الخبر إلى يهوذا بأن كنته حبلى حكم عليها بالموت حرقا، ولكن ثامار دفعت عن نفسها التهمة وأثبتت أنها حبلى من يهوذا نفسه. وهكذا برّأت نفسها ونجت من الموت. وقد ولدت ليهوذا توأمين هما فارص وزارح، ومن نسل فارص جاء داود الملك، ومنه جاء يسوع المسيح (مت 1: 3 و 6، لو 3: 31ــ 33) ". وعندنا فى سلسلة نسب المسيح أيضا راحاب العاهرة. وإلى جانب هذا وذاك هناك نسبته فى الأناجيل إلى يوسف النجار أكثر من مرة، لا على لسان الآخرين فحسب، بل على لسان أمه نفسها أيضا. فما معنى هذا؟ ولست محتاجا بطبيعة الحال إلى أن أقول إننا نحن المسلمين لا نعتقد شيئا من هذه الضلالات، إذ هو لدينا نبى كريم نبيل طاهر، لكننا إنما نحاجّ القوم بما يعتقدونه ويتساخفون معنا به!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير