تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كذلك من تدليسات سيد القمنى، سيد المزورين والمدلسين، قوله عن زيد بن عمرو بن نُفَيْل: "وفي "السيرة النبوية" لابن هشام نجد زيدا دخل الكعبة قال: "اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك لعَبَدْتُك به، ولكنني لا أعلمه"، ثم يسجد على الأرض. ويؤكد ابن هشام أنه حرم على نفسه أمورا نقلها الناس عنه من بعد كتشريعات لانبهارهم بشدة ورعه وعلمه وتقواه، مثل تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله من ذبائح تُذْبَح على النُّصُب. نعم، لقد أصبحت هذه التشريعات لمجرد امتناع زيد عنها، وربما كان امتناعه عن بعضها لا لعيب فيها، وإنما لأنه كان لا يسيغها، ومع ذلك كان لإعجاب الناس به دور كبير في تحولها إلى قوانين متعالية. وتروي لنا الأخبار أن زيدا قد عاصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه إلتقاه. عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيدا بأسفل بلدح، فدعاه إلى تناول طعام مما يذبح للأرباب، فقال زيد للنبي: إني لست أكل ما تذبحون على أنصابكم. ويعلل ابن هشام أكل النبي قبل بعثه نبيا لأضحيات أو قرابين الأصنام بقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل أمرا مباحا، وإن كان لا يأكل فلا إشكال! ".

وهذا معناه أن تحريم الإسلام ما ذُبِحَ لغير الله هو من عنديات زيد بن عمرو بن نفيل، وليس وحيا سماويا، وأن الأمر قد يكون راجعا إلى أنه ذوق شخصى له، ولا موضع فيه لحرام أو حلال. لكننا نقرأ فى "صحيح البخارى" أنه عليه الصلاة والسلام "لقي زيد بن عمرو بن نُفَيْل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها. ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكِر اسم الله عليه". وهناك رواية أخرى للحديث تقول إنه صلى الله عليه وسلم قد "لقي زيدَ بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه". والفرق بين الروايتين كبير كما ترى. وقد يُفْهَم من الروايتين، إذا ضممناهما معا، أن القوم كانوا قد قدموا إلى رسول الله ذلك الطعام فرفضه، ثم بدا له أن يعرضه على زيد، فرفض زيد كذلك، فاتفقت إرادتاهما على عدم الأكل منه.

وفى "فتح البارى" أن العلماء قد فسروا الأمر "بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقدمها لزيد، فقال زيد مخاطبا لأولئك القوم ما قال". ويؤكد هذا ما ورد فى حديث ثالث، إذ رُوِىَ "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذُكِر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارا لذلك وإعظاما له".

كذك فالرواية الأولى تخلو مما يدل على أن اللحم كان من أضحية قدمها النبى إلى وثن من الأوثان، بل كل ما هنالك أنه عليه السلام كان معه لحم فقدمه إلى زيد، فرفض زيد أن يأكل منه، وهذا كل شىء. وفضلا عن ذلك قد يكون معنى كلام زيد أنه لا يرفض بالذات الأكل من السفرة التى قدمها النبى وزيد بن حارثة له، بل يعرض شروطه فى الأكل حتى إذا كان الطعام المقدم له متحققة فيه هذه الشروط أكل منه، وإلا فلا. وأتصور أن الأخير هو أقوى الاحتمالات لأنه لا يوجد ما يدل على ما ذهب إليه أبو البلابيص لا من قريب ولا من بعيد. فكما هو واضح قد أورد القمنى ما يظن أنه موصِّله إلى ما يريد من تشويه صورة النبى عليه السلام، وتجنَّب عن عمد وسبق إصرارٍ الأحاديثَ الأخرى التى تنفى أكله صلى الله عليه وسلم من لحوم الأنصاب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير