تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأنكي في الأمر فهو ان تتم مقارنة الالهي بالانساني لابراز قيمة الالهي ازاء نقص الانساني. في تلك الحال ستكون ظالمة لكليهما: الإلهي والإنساني. فالإلهي لا يقارن بغيره، كما ان مقارنة الإنساني به فداحة في التجني على الانساني بما لا يقارن مع الالهي. وقد فطن الدكتور طه حسين الى ذلك الامر وعمد الى ايضاحه في كتابه: "الادب الجاهلي" مبينا مدى تهافت الفكرة الشائعة حول جاهلية العرب قبل الاسلام، وكيف أن تلك الفكرة أرادت تصوير العرب كالحيوانات المتوحشة لإبراز دور الاسلام في نقله الاعجازي هؤلاء الاقوام المتوحشين، فجأة ودن مقدمات موضوعية، الى مشارف الحضارة فجمعهم في أمة واحدة فتحوا الدنيا وكونوا امبراطورية كبرى. هذا بينما القراءة النزيهة لتاريخ عرب الجزيرة في المرحلة قبل الإسلامية تشير بوضوح إلى أن العرب لم يكونوا كذلك في تطورها الانساني. اما الركون الى عقائدهم لتسفيههم فهو الامر الاشد فجاجة في الرؤية، فيكفينا ان نلقى نظرة حولنا، على الانسان وهو في مشارف قرنه الحادي والعشرين، لنجده لم يزل بعد يعتقد في أمور هي من أشد الأمور سخفا. والمطالع لاخبار ذلك العصر المنعوت بالجاهلي، في كتب الاخبار الاسلامية ذاتها، سيجد في الاخلاق مستوى رفيعا هو النبالة ذاتها، وسيجد المستوى المعرفي يتساوق تماما مع المستوى المعرفي للامم من حولهم، وان معارفهم كانت تجمع الى معارف تلك الامم معارفهم الخاصة. فقط كان تشتتهم القبلى وعدم توحدهم في دولة مركزية عائقا حقيقيا دون الوصول الى المستوى الحضاري لما جاورهم من حضارات مركزية مستقرة. وهو الامر الذي اخذ في التطور المتسارع في العصر الجاهلي الاخير نحو التوحد في احلاف كبرى تهيئة للامر العظيم الآتي في توحد مركزي ودولة واحدة كبرى".

ومن أمور طه حسين المفرطة الغرابة أنه يعود، كما قلنا، فيمسح بممحاةٍ ما كان قد تغزل به فى ثقافة العرب وعقل العرب وتحضر العرب حين كان يريد، من وراء هذا الغزل، إنكار الشعر الجاهلى كما أنكره أستاذه مرجليوث، إذ أراد من وراء هذا التراجع أن يؤكد أن العرب قبل الإسلام لم يتركوا لنا أية آثار أدبية نثرية البتّة. ذلك أن النثر، فى رأيه، يحتاج إلى بيئة ثقافية متقدمة لم تكن متوفرة فى جزيرة العرب قبل الإسلام (طه حسين/ فى الأدب الجاهلى/ دار المعارف/ 1964م/ 329 - 332). وقد قَفَشه د. محمد عبد العزيز الموافى قفشةً بارعةً حين لفت الانتباه إلى أن طه حسين فى إنكاره لوجود الخطابة الجاهلية إنما كان اعتماده فى ذلك الإنكار على خُلُوّ العصر الجاهلى من الحضارة والحياة المدنية الراقية، مع أنه سبق أن أقام إنكاره لصحة الشعر الجاهلى على القول بأن ذلك الشعر لا يمثل الحياة العقلية الراقية لدى الجاهليين (د. محمد عبد العزيز الموافى/ قراءة فى الأدب الجاهلى/ ط7/ دار الثقافة العربية/ 1424هـ- 2003م/ 286 - 287).

ونفس الشىء لدى القمنى، ففى مواضع أخرى من كتاباته ينهال على العرب فى ماضيهم وحاضرهم هجاءً وتلويثًا وتشويهًا وتجريدًا من كل فضيلة وقيمة. والسبب؟ السبب أنه يريد أن يزرع فى رُوع القراء أن الإسلام كان وبالا على مصر والمصريين وعلى كل البلاد التى فتحها وكل الشعوب التى اعتنقته. أليس الإسلام قد جاء عن طريق العرب؟ بل أليس الإسلام نتاجا عربيا؟ وبما أن القمنى يدعو بدعاية الأمريكان ويعمل بكل قواه وجهوده لتعبيد الطريق أمام دباباتهم التى أقبلت من بعيد لتهرسنا وتسوِّىَ بنا وببيوتنا وثقافتنا الأرض، وبما أن هذا يستلزم التقليل بل التحقير لما فى أيدينا مما أتانا به العرب، فلا بد إذن أن يكون العرب فى الدَّرْك الأسفل من الحضارة، بل فى الدَّرْك الأسفل من البشرية ذاتها. وهذا هو مفتاح تفسير الأمر كله! ومرة أخرى نجد خليل عبد الكريم هو أيضا، فى كتابات له أخرى، يقول فى العرب الفاتحين ما قاله مالك فى الخمر، فهم جماعة من المتوحشين المتخلفين ما دخلوا بلدا إلا دهسوه وقَضَوْا على عوامل الحضارة فيه، وهو ما فعله عمرو بن العاص بجحافله التى قضت على كل ما هو جميل وعظيم فى مصر. قال هذا رغم ما أنبأنى به بعض من يعرفونه، إذ أكدوا لى أنه هو وأسرته ذوو أصول عربية، فهم ينتسبون إلى بعض القبائل اليثربية التى أتت بعد الإسلام إلى مصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير