تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

البعثة طعاما من لحوم الأنصاب، بل بالعكس نرى سعيدا وهو يحاول نيل رضا الرسول على أبيه لأنه تُوُفِّىَ قبل بعثة النبى عليه السلام فلم يكتب له الدخول فى دين الله. ولو كان الأمر كما زعم سيد المدلسين والمزورين من أكل النبى من ذبيحة الأنصاب ورَفْض زيد لها لما كانت بسعيد بن زيد حاجة إلى طلب الاستغفار من النبى لأبيه، إذ إن أباه فى هذه الحالة قد عرف طريقه إلى الهدى لا يُعْوِزه دعاءٌ ولا ترضٍّ من أحد، بل لما دخل سعيد فى الإسلام أصلا ويعرض نفسه للأذى والإهانة والخوف والتخفى بدينه الجديد وهو يرى أباه قد سبق النبى فى هذه الأشياء!

ترى هل انتهى الأمر؟ كلا، فما زالت هناك بعض المسائل التى لا بد من مناقشتها: ذلك أن أبو السِّيد يقول: "لقد أصبحت هذه التشريعات لمجرد امتناع زيد عنها، وربما كان امتناعه عن بعضها لا لعيب فيها، وإنما لأنه كان لا يسيغها، ومع ذلك كان لإعجاب الناس به دور كبير في تحولها إلى قوانين متعالية". أى أن تحريم ما ذبح للأصنام فى الإسلام إنما يرجع إلى أن زيد بن عمرو بن نفيل كان يرفض الأكل منها، فضلا عن أن هذا الرفض قد يكون مسألة ذوق شخصى لا أكثر. وهذا معناه أن أفيقوا يا مسلمون من السَّطْلة التى أنتم فيها، فليس هناك وحى سماوى ولا يحزنون. لكننى أُرْجِع الأمر ببساطة إلى أن الرجل كان، مثلما هو الحال مع سائر الحنفاء، يتبع دين إبراهيم، وهو دين توحيدى نقى غاية النقاء، وإن كان علماؤنا القدامى يقولون إن ما كان محرما فى دين إبراهيم هو أكل الميتة فحسب لا الذبح للأوثان رغم أن العهد القديم يحرم ذبح أى شىء لها على ما هو معروف. ولقد ذكر ابن هشام عن زيد نفسه قوله إنه يعبد الله على دين إبراهيم. ولم يقل الإسلام يوما إنه مبتوت الصلة بشرائع الأنبياء الخالين، بل هو امتداد للأديان السماوية السابقة. وهذا مذكور فى القرآن والحديث النبوى ويدركه الجميع. وعلى هذا فتحريم الإسلام ذبح أى شىء للأوثان هو أمر طبيعى تماما، وإلا فما معنى دعوته إلى الوحدانية والحملة على الشرك والوثنية؟ أم تراه يغلق الباب فى وجه الوثنية لتدخل من النافذة براحتها دون أى تثريب؟

المسألة الثانية هى تدليس القمنى على ابن هشام، إذ زعم أنه قد علل "أكل النبى، قبل بعثه نبيا، من قرابين الأصنام بقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل أمرا مباحا". فابن هشام، طبقا لشهادة ابن القمنى المزورة كشهادة الدكتورية أم 200 دولار، يقر بأن النبى كان يأكل فعلا مما ذُبِح على الأنصاب، مع أن ابن هشام لم يتطرق إلى هذه المسألة قط، بل الذى تطرق إليها هو السهيلى صاحب "الروض الأُنُُف"، والسهيلى لم يقل هذا الكلام، بل الذى فى كتابه هو قوله تعليقا على حديث للبخارى فى الموضوع: "وفيه سؤال يقال: كيف وفق الله زيدا إلى ترك أكل ما ذُبِح على النُّصُب وما لم يُذْكَر اسم الله عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية لما ثبت الله؟ فالجواب من وجهين أحدهما: أنه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح فقُدِّمَتْ إليه السُّفْرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل منها، وإنما في الحديث أن زيدا قال حين قدمت السفرة: لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. الجواب الثاني: أن زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم. وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام. وبعض الأصوليين يقولون: الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة. فإن قلنا بهذا، وقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل مما ذبح على النصب فإنما فعل أمرا مباحا. وإن كان لا يأكل منها فلا إشكال". فانظر الفارق بين الصدق والتدليس!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير