تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويطنطن القمنى حين يقرأ أن هاشما جدَّ الرسول الثانى قد أصهر إلى بعض سكان يثرب فيتصايح مهللا، وكأنه وضع قدمه على كوكب المريخ ولا يستطيع أن ينازعه ملكيته أحد، بأن "هاشما أعطى الوضع المتأزم أبعادا جديدة عندما دعم قوي حزبه العسكرية برجال الحرب والدم والحلقة من بني النجار والخزرج في يثرب فشد الوثاق بهم بأنْ تزوَّج سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج ليكون ذلك لحزب عبد الدار وعبد شمس إعلانا صريحا عن قيام التحالف بين الحزب الهاشمي وأهل الحرب اليثاربة، وترك ولده شَيْبَة المعروف بعبد المطلب ينمو ويربو ويرضع الفروسية بين أخواله، وحيث كان كل التاريخ الديني يتواتر هناك في مقدسات اليهود". يريد أن يقول إن هاشما جرى هنا أيضا على اصطناع كل ما من شأنه أن يبلّغه أمله فى إنشاء دولة يكون هو وذريته ملوكا عليها، فأصهر إلى أهل يثرب كى ينجدوه ساعة اللزوم، وهو ما نجح فيه فى نهاية المطاف حفيده محمد، الذى تحيَّل بحيلة النبوة من أجل ذات الغرض. وهذا، كما يرى القارئ، تفكير الحمقى، إذ أين يثرب من مكة إذا قامت حرب بين هاشم وأية قبيلة من أهل بلده؟ يقينا لسوف تكون بصرة قد خربت قبل أن يتحرك اليثاربة من مدينتهم. ولقد قرأت فى المجلد الثالث من "الطبقات الكبرى" لابن سعد أن بعض الأوسيين فى الجاهلية كانوا قد قصدوا مكة للتحالف مع بعض القبائل القرشية ضد بنى الخزرج، فما كان من القرشيين إلا أن أجابوهم: بَعُدَتْ داركم منا. متى يجيب داعينا صَرِيخَكم؟ ومتى يجيب داعيكم صَرِيخَنا؟

وعلى أية حال لم يكن هاشم هو وحده الذى أصهر إلى اليثربيين، بل صنع ذلك أيضا ناس من بنى عبد شمس الذين كانوا خصوما له ولعشيرته منهم سفيان بن أمية وأبو عزة الجمحى الشاعر وحبيب بن الحكم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة بن ربيعة. وبالمثل جرى على هذه الخطة رجال من بنى عبد الدار ومن البطون القرشية الأخرى من الظواهر والبطاح جميعا، ومنهم على سبيل التمثيل أبو بكر الصديق، وكذلك رجال لا ينتسبون إلى قريش بل من حلفائهم ليس إلا. وبعضهم تزوج من يهوديات، كما تزوج بعضٌ آخَرُ نساءً يثربياتٍ كن متزوجاتٍ من رجالٍ هاشميين. وعلى الناحيةالمقابلة نجد أن رجالا من يثرب قد تزوجوا هم أيضا بنساء من قريش (انظر بحثا بعنوان "العلاقات الاجتماعية بين مكة والمدينة منذ ما قبل الإسلام حتى فتح مكة" لإلهام أحمد عبد العزيز البابطين منشورا فى مجلة جامعة الملك سعود/ م 18/ الآداب (2) / 1426 ه/ 2006 م/ 281 فما بعدها)، فما قول عبقرينا فى ذلك؟

ومما ألفيته مضحكا فى كتاب "الحزب الهاشمى" أيضا ما فى النص القصير الذى أسوقه الآن من تناقضٍ أبلقَ وخَلْطٍ سخيفٍ بين المراحل التاريخية المختلفة ولَىٍّ لحقائق الأوضاع عن وجهتها المستقيمة، وهو يجرى على النحو التالى: "تقول سيرة ابن هشام إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما بادأ قومه بالإسلام لم يجدوا في دعوته غضاضة، ولربما لم يكترثوا لها. ولعل مرجع ذلك إلى حرية الاعتقاد التي كانت عرفا مسنونا، عرفا حتمته المصالح التجارية في مكة، فكان المسيحي فيها يعيش إلى جوار الحنفي إلى جانب اليهودي مع الصابئ والزرادشتي وعبدة النجوم وعبدة الجن وعبدة الملائكة وعبدة الأسلاف وتماثيل الشفعاء دونما قهر أو فرض أو إجبار حتى أن العبد كان يظل على دين يخالف دين سيده دون أن يخشى في ذلك مساءلة أو ملامة.

وبرغم أن محمدا صلى الله عليه وسلم من الفرع الهاشمي فإن حزب عبد الدار، عبد شمس، نوفل لم يهتم كثيرا في البداية للدعوة الجديدة، خاصة أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يخرج آنذاك عن اطُر عُرْفهم المسنون في حرية الاعتقاد، فلم يجبر أحدا لاعتناق دعوته، كما لم يحاول فرضها أو اعتبارها الديانة الوحيدة الواجب اعتناقها. وتشهد بذلك الآيات الكريمة: "أفأنت تُكْرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين" (99 يونس)، "إِنْ أنت إلا نذير" (23 فاطر)، "وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل" (107 الأنعام)، "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا" (10 المزمل).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير