تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويذكر لنا الطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا قومه لما بعثه الله لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له حتى ذكر طواغيتهم. وهو ذات ما أوضحته رواية عن لقاء وفد قريش، وفيه أبو الحكم، بأبي طالب وابن أخيه صلى الله عليه وسلم ليطلب من محمد صلى الله عليه وسلم (أن يكفّ عن آلهتهم، فَرَدَّ) عليهم: "أي عم، أو أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال: أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين بها لهم العرب، ويملكون بها العجم! فقال أبو جهل (التسمية الإسلامية لأبي الحكم) من بين القوم: ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعَشْر أمثالها". وكانت الكلمة هي الشهادة الإسلامية، فنفروا منه وتفرقوا. وهنا تحول أرق الحزب المناوئ وترقبه إلى تحفز واستنفار، خاصة عندما أخذت الآيات الكريمة في فواصل قصيرة مؤثرة تؤجج الحمية القتالية، وما يحمله ذلك من احتمال وقوع المجابهة العسكرية، وتقول هذا مع التحول الذي بدأ يطرأ في سلوك النبي تجاههم، وتحوله عن الصبر الجميل إلى الهجوم، وما جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص عندما غمز أشراف قريش من قناة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة، فكان أن التفت إليهم هاتفا: "أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح". وبَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقسمه في بدر الكبرى! ".

ومن الواضح الذى لا يمكن أن تخطئه عين كل ذى عين أن كاتب هذا الكلام يريد إدانة النبى عليه السلام وإسناد البدء بالعدوان إليه، إذ يؤكد أن الكفار كانوا يتسامحون مع مخالفيهم فى الدين تمام التسامح لولا أن النبى قد ألجأهم إلى تغيير خطة التسامح المشهورة عنهم إلجاءً. إلا أن كاتب هذا الكلام قد وقع مع هذا فى تناقض مضحك حين عاد فقال إنه ما إن بدأ محمد دعوته حتى انقلبت عليه قريش يؤذونه. فأين الحقيقة هنا؟ ثم إن كاتب هذا الكلام يعزو انقلاب قريش على الرسول إلى أنه قد هددهم فى مصالحهم مع أنهم قد انقلبوا عليه منذ البداية بمجرد أن أعلن دعوته. ثم لو كان الأمر كما يزعم كاتب هذا الكلام فلماذا يا ترى كان النبى عليه السلام يستخفى بتلك الدعوة قبل ذلك، ولم يكن فيها شىء مما يزعم الكاتب أنه يهدد مصالح الأرستقراطية القرشية من عتق للعبيد وما إلى هذا؟ ومن الواضح كذلك أن كاتب هذا الكلام قد سرق أيضا من الكتاب الذى يُنْسَب لأبكار السقاف، ففى ذلك الكتاب نقرأ عن القرآن المكى الذى كان يأمر المسلمين بالصبر أنه "من نفس هذا "الكَلِم" الذى انطلق ينفث فى الأتباع روح الصبر تأتينا، فى هذه الفترة الزمنية، صورة خاطفة للغزو وخيل الغزاة ونار الحباحب التى تنقدح من حوافرها والإغارة على العدو صباحًا. ففى هذه الفترة جاء هذا النغم الحار الملتهب يقسم قائلا: "وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا، فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا" العاديات) "، وأن "قريشًا إنما بطبيعتها، كما تذكر سجلات التاريخ الإسلامى، محبة للسلام لا تبدأ بالعدوان أحدًا، ومن ثم ليس إلا بدافع هذه الطبيعة راحت تفكر فى إيجاد طريقة لمهادنة هذه الدعوة لتهديها مطارق التفكير إلى فكرة ما تحددت فى جبينها بوضوحٍ منها المعالم إلا وهبت تتساءل: ماذا لو هادنت محمدًا وحاولت له استرضاءً ومنحته ما إليه يتوثب من وراء هذه الدعوة فتكف بذلك هذه العداوات المتأججة فى الصدور، وهو بعد إنما منها، وله فى النسب ما لها من المكانة؟ ".

ثم تقول أبكار السقاف: "من ثم كان حتمًا أن تبدأ يد الزمن تحريك الجمر الثاوى تحت رماد الأيام بين فرعي عبد الدار وعبد مناف من جهة وبيتي هاشم وعبد شمس من جهة أخرى، وأن يبدأ اللهب من هذا الجمر فى الاندلاع فيرتفع اللسان القريشى يرمى هذه الدعوة بأنها قد فرقت القوم فِرَقًا كما كان حتمًا أن يلتمع فى أفق المخيلة القريشية أمل حاكته شفتا العاص بن وائل، سيد بنى سهم، وتسجله تلك اللحظة التى تحول فيها إلى قريش لها مهدئا يقول: "دعوه! إنما محمد رجل أبتر. لو قد مات لقد انقطع ذِكْرُه واسترحتم منه". ومن الواضح مرة أخرى أن هذا الكلام هو هو ذاته الكلام الذى نقلناه آنفا من كتاب "الحزب الهاشمى" والذى يقول: "ومع أن المناوشات الكلامية التي دارت بين المكيين ومحمد صلى الله عليه وسلم لم تصل بالقوم إلى حافة شفير الحرب مرة أخرى، فإنها نبشت الجمر الثاوي في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير