تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القلوب بعدما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم دعوته مطالبا أهل مكة باتباعه، فكان حتما أن يتساءل الناس. لكن تساؤل الوليد بن المغيرة (الملقب بـ"الوحيد" لمكانته بين سادات مكة)، والأخنس بن شريق (كبير رؤوس ثقيف) كان تساؤلا مهينا لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالا: أمفتون محمد أم مجنون؟ فكان أن ردت لهما الآيات الكريمة الصاع صاعين: "بأيكم المفتون"، "همَّازٍ مشَّاءٍ بنميم. منَّاعٍ للخير معتدٍ أثيم. عُتُلٍّ بعد ذلك زنيم" (6 - 13 القلم). و"الزنيم" هو ابن الزانية. ثم يخاطب الله نبيه في شأن الوحيد قائلا له: "ذرني ومن خلقت وحيدا. وجعلت له مالا ممدودا. وبنين شهودا. ومهدت له تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد. كلا إنه كان لآياتنا عنيدا. سأرهقه صَعُودا. إنه فكر وقدَّر. فقُتِل كيف قَدَّر. ثم قُتِل كيف قدَّر" 11 - 20 المدثر). وفعلا مات الوليد قتيلا بسهم مسموم، قتله الله. ثم قامت الآيات تشبه رؤوس القوم الذين لم يدركوا أبعاد الدعوة العظمى ومراميها الكبرى بالحمير فتقول: "فمالهم عن التذكرة معرضين. كأنهم حُمُرٌ مستنفِرَة. فَرَّتْ من قَسْوَرَة" (49 - 51 المدثر) ".

الواقع أنه ما إن دعا النبى إلى الله الواحد الأحد حتى هب المشركون يعاندون ويؤلبون عليه ويشتمونه ويؤذونه. وما حكاية أبى لهب معه حين صعد الصفا أول الدعوة العلنية ودعا عشيرته الأقربين إلى الوحدانية، مجرد الوحدانية، بالتى يجهلها أى مسلم. فلماذا اللف والدروان وتشويه الحقائق؟ وهذه هى الآيات القرآنية بين أيدينا مكيها ومدنيها، فليدلنا كاتب هذا الكلام على شىء أزعج المشركين غير الدعوة إلى الوحدانية والزراية على الأصنام. وإن قوله تعالى فى أول نص قرآنى تقريبا بعد عودة الرسول من غار حراء حيث شاهد جبريلَ للمرة الأولى: "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا" لدليل على أنه عليه الصلاة والسلام قد وُوجِه منذ اللحظة الأولى بالتكذيب والأذى دون أى استفزاز من جانبه لهم، حقيقيًّا هذا الاستفزاز أو مدَّعًى. ومثله قوله تعالى فى تلك الفترة الشديدة التبكير من العهد المكى: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) " (سورة العَلَق)، مما يدل على أن الأذى القرشى لم ينتظر أى شىء يمكن أن يُتَّخَذ بوصفه استفزازا من جانب الرسول، بل بدأ مع بدء الدعوة، فكان الكفار يمنعونه صلى الله عليه وسلم من الصلاة، مجرد الصلاة!

ومن المضحك أن يقول الكاتب المسكين الذى لا يحترم علما ولا منطقا ولا تاريخا إن الآيات المكية المبكرة كانت تؤجج الحمية القتالية بما يحمله ذلك من احتمال وقوع المجابهة العسكرية. إى والله: المواجهة العسكرية حتة واحدة! وإذا كان الرسول حتى بعدما أصبح للإسلام دولة وجيش كان ينصح المسلمين ألا يتمنوا لقاء العدو، إلا إذا اضطروا إلى ذلك اضطرارا، فعندئذ فليثبتوا ثبات الرجال، فما بالنا والمسلمون يومئذ بمكة أفراد قليل مستضعفون لو فكروا مجرد تفكير فى قتال ومواجهة لافترستهم قريش افتراسا لا تبقى منهم بعده باقية؟ لا بل إن الكاتب العجيب يريد منا أن نصدق أن الكفار قد ارتعبوا منذ تلك البدايات المبكرة للإسلام، واستطاعوا أن يتوصلوا إلى ما سوف تبلغه الدعوة المحمدية آجلا من انتصار ساحق على الدول المحيطة بالجزيرة العربية وتكوين دولة هاشمية تنتشر فى آفاق الأرض، فمن ثم وقفوا فى وجهه صلى الله عليه وسلم حتى لا يفوز الهاشميون بهذا المجد دونهم، مع أن معظم الهاشميين هم، حسبما نعرف، أول من تصدى لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن من آمن منهم إلا بعد اللتى واللتيا، اللهم إلا على بن ابى طالب، الذى لم يك فى ذلك الوقت سوى صبى صغير لا يؤبه له.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير