تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأخرجاه في "الصحيحين" من حديث الليث: حدثني يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذُكِر عنده عمه فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيُجْعَل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. لفظ البخاري. وفي رواية: تغلي منه أم دماغه. وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهون أهل النار عذابا أبو طالب. منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه. وفي "مغازي" يونس بن بكير: يغلي منهما دماغه حتى يسيل على قدميه. ذكره السهيلي. وقال الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده": حدثنا عمرو، هو ابن إسماعيل بن مجالد، حدثنا أبي، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قيل له: هل نفعتَ أبا طالب؟ قال: أخرجتُه من النار إلى ضحضاح منها. تفرد به البزار. قال السهيلي: وإنما لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة العباس أخيه أنه قال الكلمة وقال: لم أسمع، لأن العباس كان إذ ذاك كافرا غير مقبول الشهادة. قلت: وعندي أن الخبر بذلك ما صح لضعف سنده كما تقدم. ومما يدل على ذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن أبي طالب فذكر له ما تقدم. وبتعليل صحته لعله قال ذلك عند معاينة الملك بعد الغرغرة حين لا ينفع نفسا إيمانها. والله أعلم. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق: سمعت ناجية بن كعب يقول: سمعت عليا يقول: لما توفي أبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك قد توفي. فقال: اذهب فوَارِهِ. فقلت: إنه مات مشركا. فقال: اذهب فواره، ولا تحدثن شيئا حتى تأتي. ففعلت فأتيته، فأمرني أن أغتسل.

ورواه النسائي: عن محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة.

ورواه أبو داود، والنسائي من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية، عن علي: لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله، إن عمك الشيخ الضال قد مات، فمن يواريه؟ قال: اذهب فَوَارِ أباك، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني. فأتيته فأمرني فاغتسلت، ثم دعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء. وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا محمد بن هارون بن حميد، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، حدثنا الفضل، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد من جنازة أبي طالب فقال: وصلتْكَ رَحِمٌ، وجُزِيتَ خيرا يا عم. قال: وروي عن أبي اليمان الهوزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وزاد: ولم يقم على قبره. قال: وإبراهيم بن عبد الرحمن هذا هو الخوارزمي، تكلموا فيه. قلت: قد روى عنه غير واحد: منهم الفضل بن موسى السيناني، ومحمد بن سلام البيكندي. ومع هذا قال ابن عدي: ليس بمعروف، وأحاديثه عن كل من روى عنه ليست بمستقيمة.

وقد قدمنا ما كان يتعاطاه أبو طالب من المحاماة والمحاجة والممانعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدفع عنه وعن أصحابه، وما قاله فيه من الممادح والثناء، وما أظهره له ولأصحابه من المودة والمحبة والشفقة في أشعاره التي أسلفناها، وما تضمنته من العيب والتنقيص لمن خالفه وكذبه بتلك العبارة الفصيحة البليغة الهاشمية المطلبية التي لا تُدَانَى ولا تُسَامَى، ولا يمكن عربيا مقاربتها ولا معارضتها. وهو في ذلك كله يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق بار راشد، ولكن مع هذا لم يؤمن قلبه. وفَرْقٌ بين علم القلب وتصديقه كما قرّرنا ذلك في شرح كتاب "الإيمان" من "صحيح البخاري". وشاهد ذلك قوله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون". وقال تعالى في قوم فرعون: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم". وقال موسى لفرعون: "لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلا ربُّ السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا". وقول بعض السلف في قوله تعالى: "وهم يَنْهَوْن عنه ويَنْأَوْن عنه" أنها نزلت في أبي طالب حيث كان يَنْهَى الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينأى هو عما جاء به الرسول من الهدى ودين الحق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير