تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أبوها من قبل فلم نسمع به قط فى أى شأن من شؤون أمورها مع محمد، الذى كان يشتغل لها بالتجارة؟ وهذا كله لو لم يكن قد مات قبل هذا كما تقول الروايات الأخرى، وهى الروايات التى يقبلها العقل ويراها أحرى بالتصديق من الرواية المضحكة التى نناقشها الآن.

وقد تناول ماكسيم رودنسون هذه القضية قائلا: ثمة رواية تقول إن خديجة قد سقت أباها خمرا كى يمر الزواج دون اعتراض، إلا أن أغلب الروايات تتفق على أن الوالد كان قد مات قبل ذلك بزمن طويل وأن عمها هو الذى كان يمثل الأسرة فى هذه المناسبة. وهذا نص ما قاله طبقا لما جاء فى الترجمة الإنجليزية لكتابه عن رسول الله بقلم آن كارتر ( Pelican Books, 1971, P.50): "Some accounts added that this was not easy and that Khadija had to get her father drunk in order to obtain his consent; but most traditions say that by this time her father was long dead and it was her uncle who represented her family in the marriage". وبالمثل ذكرت د. سلوى بالحاج صالح- العايب فى كتابها: "دثرينى يا خديجة- دراسة تحليلية لشخصية خديجة بنت خويلد" (دار الطليعة/ بيروت/ 1999م/ 63) أن "أغلب الروايات تشير إلى كونها (أى خديجة) أحضرت عمها عمرو بن أسد". والمهم بعد هذا كله أن محمدا وخديجة كانا أسعد زوجين بما كان بينهما من حب واحترام متبادل أيها المزور المدلس ذا اللسان السفيه والبذاءات المنحطة التى تصيب جسمك بالحُكَاك وتظل تهرشك وتعذبك ولا تدعك تهدأ أبدا.

وأيا ما يكن الأمر فقد ساق ابن كثير عددا من الروايات، ووقف ضد هذه الرواية بالذات التى لم يجد القمنى فيما كتبه ذلك العالم الجليل إلا إياها فأوردها على أنها هى رأيه وأنه لا يوجد روايات أخرى عنده سواها، وهذا تدليس. ومن المضحك، وكل ما يقوله القمنى مضحك، أنه كلما انتقد أحدهم ما يكتبه تحجج بأنه ليس إلا ناقلا لما فى كتب التراث. ومن ذلك أن الصحفى حسن عبد الله قد سأله فى حوار "النيوزويك" العربية الذى سبق أن أشرنا إليه قائلا: "لو قلت لك إنني قرأت عددا من كتبك، ومنها "الحزب الهاشمي" و"حروب دولة الرسول"، وأعتقد بأنها تحول الاسلام كله إلى مجرد لعبة أو حركة سياسية لا مكان فيها لوحي أو نبوة، فما ردك؟ "، فكان جوابه ما يلى، ولاحظ عامية الذوق فى رده: "ياعمي، انا ماحولتش حاجة. قل هذا للمصادر التي أخذت منها في كتبي. أنا لم أقل شيئا من عندي. وإذا كانوا يريدون أن يلوموا أحدا فليلوموا الكتّاب والمؤرخين المسلمين الكبار مثل ابن كثير والنسفي وغيرهما، أو يقوموا بحذف هذه النصوص من الكتب كيلا نقتبسها ونضعها بين علامات تنصيص ونقول ابن كثير: قال كذا. لماذا يتشطرون علينا ياعمي؟ فالقاعدة الاسلامية تقول إن ناقل الكفر ليس بكافر، وأنا ناقل من كتب التراث الاسلامي وكتب الأمهات". فعاد الصحفى يكشف ألاعيبه قائلا: "أتحدث عن عملية الانتقاء وفصل النصوص عن سياقها العام فكان أن عاجله مقاطعا: "هذه تهمة في الامانة العلمية. أنا لا أنتقي تماما بل أحشد لكل جملة أكثر من ثلاثة مصادر تتفق عليها. والفهم والاستنباط يختلف من شخص إلى آخر. ارجع الى أمهات الكتب التراثية، وسترى ماذا تقول".

وهو رد أشبه بكلام المصاطب، وليس ميدانه المناقشات العلمية، إذ إن كثيرا من كتب التراث تسوق الروايات المختلفة لا رواية واحدة حتى لو كان صاحب الكتاب لا يؤمن من تلك الروايات إلا بشىء واحد. هذه طريقة الكثير من علمائنا القدامى، ومنهم ابن كثير، ومن ثم لا يصح علميا التحجج بما تحجج به القمنى. وفى موضوعنا هذا كان عليه أن يسوق جميع الروايات التى ساقها القمنى كما صنعت أنا ثم يختار منها ما يراه مقنعا، أو على الأقل: ما يراه أكثر إقناعا من سواه، ويقدم الحيثيات التى استند إليها فى هذا الإيثار. أليس هذا هو المنهج العلمى الذى يعرفه العلماء جميعا؟ أما أن يخدع القراء ويوهمهم أن الرواية التى أوردها إنما هى الرواية الوحيدة عند ابن كثير، فضلا عن أنها هى الرواية التى يتبناها هذا العالم الجليل، فهذا كذب وتدليس وخداع آثم. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد ورد فى كتاب ابن كثير، كما رأينا، أن خديجة حين تزوجها النبى كانت بنت خمس وثلاثين أو خمس وعشرين سنة، فلماذا أهمل القمنى هذه المعلومة التى لم يشكك فيها ابن كثير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير